Limadha Taakhkhara Muslimun
لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟
Genres
كان اليونانيون قبل النصرانية أرقى أمم الأرض أو من أرقى أمم الأرض، وكانوا واضعي أسس الفلسفة، وحاملي ألوية الآداب والمعارف، ونبغ منهم من لا يزالون مصابيح البشرية في العلم والفلسفة إلى يوم الناس هذا.
وكان الإسكندر المقدوني أعظم فاتح عرفه التاريخ أو من أعظم الفاتحين الذين عرفهم التاريخ، حاملا للأدب اليوناني، ناشرا لثقافة اليونان بين الأمم التي غلب عليها، وما كانت دولة البطالسة التي لمعت في الإسكندرية بعلومها وفلسفتها إلا من بقايا فتوح الإسكندر، ثم لم تزل هذه الحالة إلى أن تنصرت اليونان بعد ظهور الدين المسيحي بقليل، فمذ دانت هذه الأمة بالدين الجديد بدأت بالتردي والانحطاط وفقد مزاياها القديمة، ولم تزل تنحط قرنا عن قرن، وتتدهور بطنا عن بطن، إلى أن صارت بلاد اليونان ولاية من جملة ولايات السلطنة العثمانية، ولم تعد إلى شيء من النهوض والرقي إلا في القرن الماضي، وأين هي مع ذلك الآن مما كانت قبل النصرانية؟
أفيجب أن نقول: إن النصرانية كانت المسئولة عن انحطاط اليونان هذا؟!
إن القائلين بأن الإسلام قد كان سبب انحطاط الأمم الدائنة به لا مفر لهم من القول بأن النصرانية قد أدت أيضا إلى انحطاط اليونان التي كانت من قبلها عنوان الرقي.
ثم كانت رومية في عصرها الدولة العظمى التي لا يذكر معها دولة، ولا يؤبه في جانب صولتها لصولة، ولم تزل هكذا هي المسيطرة على المعمور إلى أن تنصرت لعهد قسطنطين، فمنذ ذلك العهد بدأت بالانحطاط مادة ومعنى، إلى أن انقرضت أولا من الغرب، وثانيا من الشرق، ولم تسترجع رومية بعد انقراض الدولة الرومانية شيئا من مكانتها الأولى، وبقيت على ذلك مدة 15 قرنا حتى استأنفت شيئا من مجدها الغابر.
وما هي إلى هذه الساعة ببالغة ذلك الشأو الذي بلغته أيام الوثنية.
أفنجعل تنصر الرومان هو العامل في انحطاط رومة وتدحرجها عن قمة تلك العظمة الشاهقة؟! لقد قال بهذا علماء كثيرون، كما قال آخرون مثل هذه المقالة في الإسلام، وكلا الفريقين جائر حائد عن الصواب.
فإن لسقوط الرومان بعد فشو الدين المسيحي فيهم، ولسقوط اليونان من قبلهم بعد أن تقبلوا دعوة بولس إلى النصرانية أسبابا وعوامل كثيرة من فساد الأخلاق، وانحطاط الهمم، وانتشار الخنا والخلاعة، وشيوع الإلحاد والإباحة، ومن هرم الدول الذي يتكلم عنه ابن خلدون، وغير ذلك من أسباب السقوط الداخلية؛ منضمة إليها غارات البرابرة من الخارج، فكانت ثمة أسباب قاسرة مؤدية إلى السقوط الذي كان لا بد منه، فلو فرضنا أن النصرانية لم تكن جاءت وقتئذ لم يكن الرومان ولا اليونان نجوا من عواقب تلك الحوادث، ولا تخطتهم نتائج تلك الأسباب.
فدعوى بعض المؤرخين الأوروبيين أن تغلب المسيحية على اليونان والرومان أخنى على عظمتها، وذهب بمدينتها، ليس فيه من الصحيح إلا كون الأوضاع الجديدة تذهب بالأوضاع القديمة؛ سنة الله في خلقه، وأنه في هيعة هذا التحول لا بد من اضطراب الأحوال وانحلال القواعد واستحكام الفوضى، وإلا فلا أحد يقدر أن يقول: إن الوثنية أصلح للعمران من النصرانية.
2
Unknown page