ذم الدنيا وعقوبة من لا يؤدي ما وجب عليه في ماله
قال بعض السلف: بئس الرفيقان: الذهب والفضة، لا ينفعانك حتى يفارقانك.
أي: أن العبد لا ينتفع بالذهب والفضة إلا إذا أنفقهما، فبئس الرفيقان هما.
وقال بعضهم: إنما سمي الذهب ذهبًا لأنه يذهب، وسميت الفضة فضة لأنها تنفض.
ولما نزلت: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة:٣٤ - ٣٥] قال النبي ﵌: (تبًا للذهب والفضة.
فقال الصحابة ﵃: فما يتخذ أحدنا يا رسول الله؟! قال: يتخذ قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجة صالحة).
فهذا ما ينبغي أن يحرص عليه المؤمن: أن يملك قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجة صالحة؛ فإن ذلك خير من الذهب والفضة، فالذهب يذهب، الفضة تنفض، ولا يبقى إلا الإيمان والعمل الصالح.
يقول النبي ﵌: (إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات).
أي: إذا رأيتم الناس يكنزون الذهب والفضة.
وما أدي زكاته فليس بكنز، ولكن الكنز الذي لا تؤدى زكاته، فالذي يجمع مالًا ولا يؤدي زكاته متوعد بهذه الآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ﴾ [التوبة:٣٤ - ٣٥]، قالوا: لأنه إذا سئل حق الفقير يقطب جبينه فيكوى جبينه، ثم ينحرف قليلًا فيكوى جنبه، ثم يولي الفقير ظهره فيكوى ظهره، ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة:٣٥].
ورد في صحيح مسلم عن النبي ﷺ قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صفحت له يوم القيامة صفائح من نار، فيحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره، فإذا بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى مكانه بعد ذلك إما إلى الجنة وإما إلى النار) أي: أن هذا من عذاب يوم القيامة، وله عذاب كذلك في الآخرة.
وقال النبي ﵌: (ما من صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا مثل له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه، ثم يأخذ بلهزمتيه فيقول: أنا مالك، أنا كنزك، وتلا قوله ﷿: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران:١٨٠]) أي: أنه يمثل له ماله شجاعًا أقرع، أي: حية قد سقط شعر رأسها من كبر سنها وكثرة سمها.
قوله: (له زبيبتان يطوقه) أي: يطوق رقبته أو وسطه.
وقوله: (ثم يأخذ بلهزمتيه) أي: بشقيه.
وقوله: (فيقول له: أنا مالك، أنا كنزك) وهذا العقاب لمن أخذ المال من الوجوه الحلال، ومنع الحقوق الواجبة، منع الزكاة الواجبة، ولم يصل في هذا المال رحمه، ولم ينفق في أوجه البر والخير، فهذه عقوبة مانع الزكاة يوم القيامة، فكيف بالذين تحصل لهم الأموال من الوجوه المحرمة، ويمنعون الحقوق الواجبة، لا شك أن عذابهم أشد من ذلك؛ لأنهم يعذبون على جمع المال من الوجوه المحرمة، ثم يعذبون كذلك على منع الحقوق الواجبة.
(ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صفحت له يوم القيامة)، لا يعذب بها وهي بحجمها، وإنما تصفح له صفائح؛ حتى يكثر العذاب الذي يعذب به، ويحمى عليها في نار جهنم ويكوى بها جبينه وجنبه وظهره.
وقيل: هذه الأماكن تكثر فيها مواضع الإحساس، ويغلظ فيها الجلد؛ حتى يشتد العذاب.
3 / 3