اتباع صاحب القلب لهواه
والآفة الأخرى: أن صاحب هذا القلب يتبع هواه، وإذا أعرض العبد عن شرع الله ﷿ وقع في اتباع الهوى.
فإما أن تكون متبعًا لشرع الله ﷿؛ معظمًا له، تتقيد بشرع الله، وتتكلم بشرع الله، وتعمل بشرع الله ﷿، وإما أن تكون متبعًا للهوى، كما قال الله ﷿: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى﴾ [ص:٢٦].
فاتباع الهوى يكون بعد الإعراض عن شرع الله ﷿، قال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [القصص:٥٠]، وأكثر الناس اليوم يتبعون أهواءهم، لا يقيدهم شرع الله ﷿، ولا يقومون ولا يعملون به، سواء في ذلك الحكام أو المحكومين، الكل يتبع الهوى ويتخذ الهوى إلهًا من دون الله ﷿، لا يعظمون الله ﷿، ولا يعظمون شرع الله ﷿، فخاض الناس في طريق الهوى، والهوى يهوي بصاحبه في الدنيا والآخرة؛ يهوي بصاحبة إلى قمة الرذائل والفواحش والمنكرات في الدنيا، ويهوي به في النار يوم القيامة.
عباد الله: إن من اتبع الهوى ضاعت عليه مصالح الدنيا والآخرة، وخسر في الدنيا والآخرة: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف:٢٨]، أي: ينفرط عليه أمره، وتذهب عليه مصالحه؛ فهذه آفة من الآفات التي تصيب القلب الذي يشرب الفتن، والذي يفتتن بالفتن يقع في اتباع الهوى إلا ما أشرب من هواه.
أما القلب الذي لا يشرب الفتن والذي ينكر المنكر ولا يفتتن بالشبهات فإنه يزداد إشراقه وبياضه، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض.
والقلوب -عباد الله- خلقت لمعرفة علام الغيوب وغفار الذنوب ﷿، فلا حياة لها، ولا صلاح لها ولا سعادة لها إلا في ذلك، والصحابة أطباء للقلوب، أبر الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا، تربية رسول الله ﵌، علماء في أحوال القلوب وفي أقسام القلوب، يقول عبد الله بن مسعود لرجل: داو قلبك، فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم، أي: مراد الله ﷿ من العباد صلاح قلوبهم.
والعمل الصالح يثمر صبغة وصلاحًا في القلوب، فقد تكون أعمال العبد كثيرة ولكن فيها رياء أو عجب، أو غير اتباع سنة النبي ﵌، فالعمل الصالح هو الموافق لسنة رسول الله ﷺ، والذي ينتج عن الإخلاص والذي لا يفعله صاحبه عجبًا ولا رياء، ولذلك قال الله ﷿: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء:٨٨ - ٨٩]، ما قال: من أتى كذا وكذا من الأعمال، ولكن جعل الدخول إلى الجنة بالقلب السليم، ومدح إبراهيم إمام الحنفاء وأبي الأنبياء، بقوله ﷿: ﴿إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الصافات:٨٤]، وكان إبراهيم ﵊ سليم القلب من الشرك، والولاء لغير الله ﷿، شديد المحبة لله ﷿، مخلص الدين لله ﷿، ألزمه الله ﷿ بملته وبشريعته، فقال: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الحج:٧٨]، وقال: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل:١٢٣].
2 / 5