Lessons of Sheikh Abdul-Muhsin Al-Abbad
دروس الشيخ عبد المحسن العباد
Genres
ذكر المشهورين في الفقه والفتوى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
وكان في الصحابة من هو مشهور بالفقه وبالفتوى، وكان في التابعين فقهاء المدينة السبعة المشهورون الذين كانوا في أواخر القرن الأول وأوائل القرن الذي يليه، وهكذا كان بعدهم أمم كثيرة، وكلهم كان عندهم العناية بالفقه، وكان عندهم الجمع بين الفقه والحديث، وهذا بخلاف ما كان عليه القرن الأول، وهو أنهم كانوا يعملون بما جاءهم عن رسول الله ﵊.
والإمام أبو حنيفة ﵀ ولد سنة ثمانين من الهجرة، والإمام مالك ولد بعد التسعين، وتوفي الإمام أبو حنيفة ﵀ سنة مائة وخمسين، وتوفي الإمام مالك سنة مائة وتسعة وستين.
والشافعي ولد في السنة التي مات فيها أبو حنيفة، وتوفي سنة مائتين وأربع، والإمام أحمد توفي سنة مائتين وواحد وأربعين، وكانوا كغيرهم من علماء السلف، فكل واحد من هؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم كان يحرص على حديث رسول الله ﵊، ويبحث عن حديث رسول الله ﵊، وكان بعضهم يتلقى عن بعض، يعني: هؤلاء الأئمة الثلاثة الذين هم: مالك والشافعي وأحمد كل متأخر منهم روى عن الذي قبله، وكل واحد منهم شيخ للذي بعده؛ فالإمام الشافعي روى عن الإمام مالك، والإمام أحمد روى عن الإمام الشافعي، وكان الشافعي ﵀ مع أنه شيخ الإمام أحمد يقول له: إذا صح عندكم الحديث يا أبا عبد الله! فأعلمونا به حتى نعمل به.
روى ذلك الطبراني عن عبد الله بن الإمام أحمد عن الإمام أحمد: أن الشافعي ﵀ كان يقول هذا الكلام.
وذلك لأنه ليس هناك أحد يحيط بحديث رسول الله ﵊؛ لأن الصحابة ﵃ كانوا يأتون في مناسبات مختلفة، وقد يأتي الشخص في مناسبة من المناسبات وليس عند الرسول ﷺ أحد غيره، أو يكون عنده النفر القليل، ثم الصحابة تفرقوا في الآفاق، وذهبوا يمينًا وشمالًا، وكلٌ كان من عنده علم من رسول الله ﵊، وعلى هذا فلا أحد يستوعب كل ما جاء عن الرسول ﷺ، بحيث لم يفته حديث واحد عن الرسول ﷺ، وما ادعى هذا أحد من الأئمة، ولا يجوز أن يدعى له.
وقد روى الإمام أحمد في المسند حديثًا عن الإمام الشافعي، والإمام الشافعي رواه عن الإمام مالك، وهو حديث: (نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة)، فهذا الحديث في سنده ثلاثة من الأئمة أصحاب المذاهب المعروفة، وقد أورده الحافظ ابن كثير ﵀ في تفسيره عند قوله ﷾: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران:١٦٩] وقال: هذا حديث عزيز؛ في إسناده ثلاثة من الأئمة أصحاب المذاهب المشهورة المتبعة.
إذًا: عرفنا أن القرن الأول مضى على هذا المنوال، وهو البحث عن الدليل والعمل به، ومن لم يكن عنده علم استفتى من عنده علم، ثم يعمل بما بلغه، وعلى هذا المنوال كان التابعون وأتباعهم ومنهم الأئمة الأربعة، وغيرهم ممن قبلهم وفي زمانهم ومن هو بعدهم، فنجد في كتب الفقه وفي كتب الحديث وفي كتب التفسير النقول الكثيرة عن الفقهاء الكثيرين في مختلف القرون وفي مختلف الأعصار، من زمن الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
1 / 11