Lessons from the Migration - Attia Salem
دروس الهجرة - عطية سالم
Genres
قاعدة انطلاق العمل بالشرع
نقف هنا وقفة مع قوله سبحانه: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح:٢٧ - ٢٨] ثم يأتي بجملة اسمية: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾ [الفتح:٢٩]، وعند هذه الجملة -المبتدأ والخبر- تقوم جميع التكاليف، وينبني جميع التشريع، ويلتزم المسلم بكل أوامر ربه.
قاعدة انطلاق العمل والاعتقاد بكل أنواعها: من عقائد، معاملات؛ دنيوية وأخروية، وبشرية؛ لأن الإنسان الفرد قبل أن يوقن ويؤمن بأن محمدًا رسول الله لن يقبل شيئًا، أما إذا آمن وصدق بأن محمدًا رسول الله فإنه سيقبل كل ما جاء به محمد في رسالته عن الله؛ ولهذا لما جاء سهيل بن عمرو في صلح الحديبية وأرادوا أن يكتبوا الصحيفة قال ﷺ: (اكتب يا علي! هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال: سهيل بن عمرو: لا تكتب (محمد رسول الله) لو كنت أعلم أنك رسول الله ما قاضيتك ولما منعتك عن البيت، اكتب: محمد بن عبد الله)؛ فقاعدة الإيمان نقطة الانطلاق، بل هي الفارق بين الحق والباطل، بين الإيمان والتصديق والكفر والتكذيب، (محمد رسول الله) كلمة من قالها التزم بكل ما جاء به.
وقد أشرنا أن الرسول ﷺ حدث أصحابه ذات يوم فقال: (إن رجلًا من بني إسرائيل ركب بقرة -ماشية بطيئة- فالتفتت إليه وقالت: يا هذا؛ إنا لم نخلق لهذا! فقالوا: يا عجبًا بقرة تتكلم! فقال ﷺ: نعم وأنا أومن بذلك ومعي أبو بكر وعمر وما هما ثمة) أي: لم يكونا موجودين والرسول يخبر عنهما أنهما يصدقان ذلك كما هو يصدقه، والذي جعل الرسول ﵊ يحكم على أبي بكر وعمر بأنهما يصدقان بذلك وهما ما سمعا ولا حضرا، أنه يعلم مدى يقين وإيمان أبي بكر وعمر بما يحدثهما به.
وقال ﵊: (عدا الذئب على غنمة فطلبها الراعي واستنقذها منه، فقال الذئب للرجل: من لها يوم لا يكون لها راع غيري؟ فقالوا: عجبًا لذئب يتكلم! قال: وأنا أومن بذلك ومعي أبو بكر وعمر).
وقد حدث في هذه الأمة مثل ذلك، يقول ابن كثير: في عام الوفود سنة تسع من الهجرة، بعد فتح مكة وقبل حجة الوداع، جاءت وفود العرب إما لتعلن إسلامها، وإما لتجدد إيمانها، وفي تلك السنة جاء وفد الذئاب!! قال الذهبي: فجاء ذئب وأخذ يحوم حول القوم إلى أن جاء إلى رسول الله ﷺ وأخذ يلعب بذنبه وأخذ يحادثه، فإذا بالرسول ﷺ يقول: (هذا وافد الذئاب إليكم، كم ستعطونه من أغنامكم، قالوا: والله لا نعطيه شيئًا)، فهذه أمور فوق العقل، ولكن إذا صحت عن رسول الله ﷺ فلا إشكال بعد ذلك.
ومن ذلك كثير، فالجماد -الحصى- سبح في كف رسول الله ﷺ، والجذع يحن إليه ويسمع حنينه جميع من في المسجد، والذي يهمنا هو قوله ﷺ: (تكلم الذئب وأنا أومن بذلك ومعي أبو بكر وعمر، وما هما ثمة).
منطلق تصديق أبي بكر وعمر وشهادة رسول الله لهما أساسها إما سماع وإما مشاهدة، والشاهد سمي شاهدًا لأنه شاهد بعينه، والشاهد يعلم الغائب، وهذه ليست عن مشاهدة بعين ولا باستفاضة سمع، ولكن عن إيمان وتصديق بأن محمدًا رسول الله.
5 / 3