164

Lessons by Sheikh Yasser Burhami

دروس للشيخ ياسر برهامي

Genres

ميادين التوكل ولا يتوكل العبد إلا على ربه في جلب مصالح آخرته أولًا، كما قال النبي ﷺ: (واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته). ويتوكل على الله في جلب مصالح دنياه ثانيًا، فهو يتوكل على الله في صلاح نفسه، وصلاح أهله وأولاده، وفي أمر رزقه، وفي دفع أعدائه، وفي شفاء أمراضه، وفي تحقيق مصالحه، وأعظم من ذلك التوكل على الله ﷿ في صلاح دين الخلق ونصرة الإسلام، وهو توكل الرسل وأتباعهم، فهم يتوكلون على الله ﷿ في نصرة الدين، وصلاح العباد حتى يحققوا له العبودية في الأرض، فينجوا عنده ﷿. فالمؤمن الصادق يتوكل على الله في صلاح نفسه وصلاح غيره من الخلق، ويتوكل على الله في نصرة الإسلام حتى يظهره الله ﷿، كما قال الرسل لأقوامهم الذين آذوهم: ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [إبراهيم:١٢]، وحكى الله ﷿ عنهم قولهم: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [إبراهيم:١٢]. فالله ﷾ جعل توكل الرسل في ثباتهم على الحق، وصبرهم على أذى قومهم حتى ينصرهم الله ﷿، ويستخلفهم في الأرض، ويمكنهم من الذين ظلموا، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم:١٣ - ١٥] أي: دعت الرسل ربها بالفتح، أي: بالحكم بينهم وبين قومهم، وهذا من كمال التوكل على الله، فهم يعلمون أن الله يقص الحق وهو خير الفاصلين، وأنه ﷾ الذي يؤيد رسله وأتباعهم بما شاء من أنواع القوة، فهم لا يعتمدون على قوتهم ولا عددهم ولا عدتهم، وإن كانوا يأخذون بما أمروا به من ذلك شرعًا، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال:٦٠]. لكن يعلمون أن الأمر ليس بأيديهم ولا بأيدي من خلفهم، وإنما الأمر لله، والغيب له ﷾ وإليه يرجع الأمر كله، كما قال سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [هود:١٢٣]. ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم.

14 / 12