تجمع الأحزاب لحصار الرسول ﷺ ومن معه
ما أشبه الليلة بالبارحة! فانظر إلى الحصار الذي فرضه المشركون من قريش وغطفان ومن تابعهم من القبائل العربية المختلفة ومن ظاهرهم من يهود بني قريظة، ومن بقي من يهود بني النضير في خيبر ومن دعا منهم في جمعه هؤلاء الأحزاب، حتى اجتمعوا جميعًا لحصار المسلمين في المدينة وجاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، جاءوا حول المدينة من جهاتها، وعند ذلك اشتد الكرب ونجم النفاق وظن الناس الظنون المختلفة، فظن المنافقون أن الإسلام مستأصل، وأن الإسلام يزول، وظن المؤمنون بالله ﷿ أن ينجز لهم وعده ﷾، وأن يفي بوعده لهم ولنبيه ﵊، كما قال تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٢٢].
اجتمع هؤلاء الأحزاب بمؤامرة اليهود كما اجتمعت الأحزاب من قبلهم على رسلهم، اجتمع هؤلاء الأحزاب رغم كونهم قبل ذلك كانوا لا يتفقون على رأي، بل كان بعضهم يقاتل بعضًا ويسبي بعضهم بعضًا، حتى اليهود كانوا قبل الإسلام يتقاتلون ويتحاربون، كما قال ﷿ عنهم فيما بين من فضائحهم بعد ذكر أخذ ميثاقهم: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة:٨٤ - ٨٥].
فبين ﷾ أنهم كانوا يتقاتلون فيما بينهم، ولكن عندما جاء الإسلام اجتمعوا على حربه، وهكذا المشركون ما كان لبعضهم على بعض سيادة ولا إمارة، بل كانت العرب متفرقة على الدوام متقاتلة متحاربة؛ لكن عندما ظهر الإسلام اجتمعوا على حربه! وهكذا إذا نظرت فإنك تجد اليهود والنصارى أعداء على مر العصور، ولكنهم في زماننا يجتمعون وينفق بعضهم على بعض، ومعهم من لا دين لهم كذلك من بقايا الشيوعيين والمشركين عباد الأوثان، وعباد الشياطين والعياذ بالله من ذلك، فاجتمعوا كلهم على حرب الإسلام، ومعهم المنافقون، فكلهم أعداء، ومع ذلك يجتمعون إذا ظهر الإسلام.
ألم تكن طوائف من المنافقين تتفاخر عبر عشرات السنين بأنها حرب على اليهود وعلى الاستعمار وعلى الغرب، ثم بعد ذلك تنحني الجباه وتركع الرءوس، وربما سجدوا لأعداء الله ﷾ أو كادوا يفعلون، والعياذ بالله من ذلك.
هكذا تجتمع الأحزاب ضد الإسلام وأهله، وتنفق الأموال ببذخ وسخاء، وتخرج الخزائن من هذه الأموال ممن لا يجدون طعامًا يأكلونه ولا ملابس يلبسونها، فإذا وجه أعداء الله رصاصهم وقنابلهم لأهل الإسلام أغدقت الأموال بما لا يحصيه أحد منا، ولا يراه، وإنما يحصيه رب العباد ﷾.
فهكذا تتحزب الأحزاب وهكذا يكذبون الرسل.
وقد قدر الله ﷾ أن يكون هذا الاجتماع لحرب الدين يكاد يصل إلى غايته، ففي يوم الأحزاب أوشك الكفار أن تتم خططهم بنقض يهود بني قريظة العهد وباتفاقهم معهم على أن يقتحموا المدينة، ورسول الله ﷺ والمسلمون كانوا ثلاثة آلاف في أول حفر الخندق، ولكنهم نقصوا حتى وصلوا إلى سبعمائة بعد ذلك، وانسحب من في قلبه النفاق الأكبر، أو في قلبه شعبة منه، حتى وصف حذيفة ﵁ ليلة الأحزاب بأنها أشد ليلة عندما كانوا ثلاث مائة مقاتل مع النبي ﵊، فانخفض عدد المسلمين الثابتين مع رسول الله ﷺ إلى العشر.
2 / 5