Lessons by Sheikh Muhammad Hassan Al-Dedew Al-Shanqeeti
دروس للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي
Genres
الحث على اجتماع الكلمة ووحدة الصف
ثم إن علينا عباد الله أن نعلم أن اجتماع الكلمة ووحدة الصف مما أمر الله به، كما ذكرنا في الآيات، وأمر به رسوله ﷺ في عدد من الأحاديث الصحيحة عنه، وهو كذلك قوة للمسلمين.
فهذه الأمة تحف بها الأمم المعادية وتكيد لها بأنواع الكيد، ولا ترضى لها رفع راية ولا الوصول إلى غاية، فلذلك إذا بقيت هذه الأمة في تناحر وخلاف فيما بينها فمتى تنتصر على أعدائها؟ وإذا شغلنا كل وسائلنا في طعن بعضنا في بعض، وكان كل إنسان منا يعمل طاقته وقوته في تحطيم أخيه، فمتى نفرغ لقتال أعدائنا؟ ومتى يكون الانتصار عليهم؟! إن علينا أن نعلم أن أعداءنا يتربصون بنا الدوائر، وأنه إذا أحس الإنسان بتهديد كيانه فذلك سبب لنصرته لأخيه ولو كان مخالفًا له، كما قال الشاعر: لما أتاني عن عيينة أنه عان عليه تظاهر الأقياد بذلت له نفسي النصيحة إنه عند الشدائد تذهب الأحقاد أنتم اليوم في شدة عظيمة، فأمر الدين في تولٍ، وأمم الشر كلها تداعت كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فلذلك لابد أن توحدوا صفوفكم وأن تجتمعوا على كلمة سواء، وأن تعلموا أن ذلك لا يتم إلا بالبدء أولًا بنقاط الاتفاق والتنقيب عنها، فلابد أن نبحث عن النقاط التي تجمعنا قبل أن نبحث عن النقاط التي تفرقنا.
فالإنسان يعلم أن له أعداء خارجيين، وهم الكفرة من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من أنواع الكفر، والكفر ملة واحدة، ويعلم أن له أعداء داخليين من المنافقين المتربصين، ومن أصحاب النزعات الضالة! فلا يخلو مجتمع من هذه النزعات التي تغلغلت في المجتمعات، حتى بلغ سيلها الزبى، وانتشرت في مجتمعاتنا الإسلامية، فإذا أحس الإنسان بالتهديد من خارج الكيان ومن داخله، فلابد أن يبحث عن الأنصار إذا كان عاقلًا، ولا ينبغي أن يبحث عن التخذيل في مثل هذا الوقت، ألا ترون أن الإنسان الذي هو عرضة للابتزاز، وأعداؤه يتربصون به الدوائر، ينبغي هنا في مثل هذا الوقت أن يرتب الأولويات، وأن يبدأ بالأولى والأكثر عداوة والأقوى حتى يصل إلى غيره.
فإذا فتح عليه كل الجبهات في وقت واحد فإنه حينئذ غير عاقل وغير مدبر، فلذلك لابد أن يبدأ الإنسان بالجبهة العظمى، ولهذا فإن الرسول الكريم ﷺ وهو الأسوة الحسنة لما أراد بناء دولة الإسلام في المدينة بدأ أولًا فعقد هدنة مع اليهود الذين هم داخل المدينة؛ لأنهم أقرب الأعداء إليه، ثم لم يتعرض للمنافقين بسوء؛ خشية أن يقال: إن محمدًا يقتل أصحابه، فلم يقتل أحدًا منهم ولم يشهر به أمام الناس، وكان يعود مرضاهم، بل قد صلى على جنازة رأس من رءوسهم، حتى نهي عن ذلك، ثم بعد هذا ذهب إلى القبائل المجاورة للمدينة من الأعراب كبني ضمرة وبني مدلج، فعقد معهم الهدنة على أن لا يكثروا عليه سوادًا، وأن لا يعينوا عليه مغيرًا، ثم بعد هذا حارب العدو الألد وهم قريش، الذين إذا انتصر عليهم فذلك انتصار على العرب كلها كما حصل.
إن هذا من سياسة رسول الله ﷺ، التي هي تابعة للوحي المنزل عليه من عند الله ﷾، ولابد من الاقتداء به في ذلك، فإن مهادنته لليهود إذ ذاك ليست على أساس أنهم أقل كفرًا من قريش أو أقل ضررًا منهم، ولكن إنما هي على أساس أنهم أضعف منهم، فاليهود إذ ذاك أقل شوكة وأضعف من مشركي قريش، فلذلك بدأ بالأقوى، ثم فاضل بين اليهود أنفسهم، فأكثرهم ضررًا وعداوة هم بنو قينقاع، فهم أول من أخرجهم الرسول ﷺ من المدينة، ثم بعدهم بنو النضير أخرجهم إلى خيبر، ثم بنو قريظة حيث قضى عليهم في المدينة.
1 / 4