Lessons by Sheikh Muhammad Hassan Al-Dedew Al-Shanqeeti
دروس للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي
Genres
مجالسة أهل الخشية أحياء وأمواتًا
وكذلك من الأسباب التي تزيد خشية الإنسان لله تعالى: مجالسته لأهل الخشية، فالإنسان الذي يزور أهل الخشية ويلقاهم ويرى ما هم فيه، فإنهم يذكرونه بالله ﷾ في حركاتهم وسكناتهم، ويسمع في أقوالهم وتصرفاتهم ما يدل على الخشية من الله تعالى، ولهذا قال أهل العلم: ليس حسن التلاوة بحسن الصوت، إنما حسن التلاوة إذا سمعت صوته عرفت أنه يخاف الله؛ فلذلك كانت مجالسة هؤلاء مما يقوي خشية الله ﷾ في القلوب.
وقد قال الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف:٢٨]، فعلى الإنسان أن يحرص على زيارة أهل الخشية، وعلى مجالستهم، وعلى السماع منهم، فذلك مما يزيده خشية.
وكذلك زيارتهم بعد الموت بالاطلاع على سيرهم وقصصهم، فقراءة الإنسان لحياة أهل الخشية من الذين ماتوا ومضوا مما يزيده خشية وإيمانًا، إذا كان الإنسان يدرس سير الصحابة والتابعين، وسير الصالحين من هذه الأمة، فسيجد فيهم أسوة لنفسه وقدوة صالحة يقتدي بها، وإذا مر به أي حال من الأحوال فسيجد نظيره قد مر ببعض السلف الصالح، ومن هنا: يمكن أن يقتدي بهم وأن يجد فيهم الأسوة الصالحة.
ولهذا كان كثير من أهل العلم والصلاح يزورون أهل الخشية، ولو كانوا دونهم مستوى في العلم، فكان كثير من علمائنا يزورون رابعة العدوية فيرون إقبالها على الله وبكاءها في صلاتها وعبادتها، فتذكرهم بالله ﷾ بذلك.
وقد (كان النبي ﷺ ذات ليلة يسير في الطريق فوقف على باب امرأة من الأنصار فإذا هي تقرأ في صلاتها: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ [الغاشية:١]، فبكى رسول الله ﷺ بكاء شديدًا، وقال: نعم أتاني، نعم أتاني)، والغاشية: القيامة، كذلك فقد زار أبو بكر وعمر ﵄ أم أيمن ﵂ بعد موت النبي ﷺ كما كان رسول الله ﷺ يزورها: (فلما جلسا عندها بكت، فقالا لها: ما يبكيك، أما علمت أن ما عند الله خير لرسول الله ﷺ من هذه الدنيا؟ فقالت: أما إني لا أبكي لأني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله ﷺ من هذه الدنيا، ولكني أبكي لانقطاع الوحي من السماء، فهيجتهما على البكاء، فبكيا بكاء شديدًا).
يحتاج الإنسان إلى زيارة من يبكيه، وإذا لم يجده في الأحياء، اطلع على سيرته في الأموات، ففي الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر، وسيرهم موجودة مدونة، والكتب موجودة بين أيدينا وهي تحوي أخبارهم، وقد قال ابن هلال ﵀: لنا جلساء ما يُمل حديثهم ألباء مأمونون غيبًا ومشهدا يفيدوننا من علمهم علم من مضى وعقلًا وتأديبًا ورأيًا مسددا فلا فتنة تخشى ولا سوء عشرة ولا نتقي منهم لسانًا ولا يدا فإن قلت أحياء فلست بكاذب وإن قلت أموات فلست مفندا وقد قال ابن المبارك ﵀: (سير الصالحين جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب عباده)، ومصداق ذلك من القرآن قول الله تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [هود:١٢٠].
5 / 28