233

Durūs al-Shaykh Muḥammad Ḥasan ʿAbd al-Ghaffār

دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار

Genres

الأصل في النكاح التعدد
إذا كان حكم النكاح الوجوب، وإذا كان لنا اعتبارات في الاختيار، فإن المرء قد أمر من قبل ربه أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع، فللرجل أن يجمع من النساء أربعًا، وقد اختلف العلماء في الزيادة على ذلك، فمنهم من قال: له أن يجمع بين تسع من النساء، ومنهم من قال: يجمع بين اثنتي عشرة امرأة، ومنهم من قال: له أن يعدد مطلقًا.
والصحيح الراجح أن المرء لا يحبس عنده من النساء إلا أربع لقوله تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء:٣].
وفي السنة أن غيلان جاء للنبي ﷺ فقال: أسلمت وتحتي عشر من النسوة، فقال له النبي ﷺ: (أمسك عليك أربعًا وفارق الباقي)، فالنبي ﷺ أمره أن يمسك أربعًا ويفارق باقي النساء، وأيضًا معاوية بن نوفل أسلم وكان تحته خمس من النساء فأمره النبي ﷺ أن يفارق واحدة منهن ويبقي على أربع.
وقد يسأل سائل: إذا كان للمرء أن يجمع بين الأربع فهل حكمه في ذلك الإباحة أم هي للضرورة أم هو مستحب؟ وهل الأصل في النكاح التعدد أم الأصل في النكاح الاقتصار على واحدة؟ والإجابة على هذا السؤال يقال: الأصل في النكاح التعدد، بل هو مستحب محثوث عليه، فإن أرقى الناس وأفضل الناس وأكمل الناس مَنْ عدد، وما زالت العرب تفتخر بفحولة رجالها بكثرة النساء وكثرة الوطء لهن، وأنا أتحدى أي شخص يأتيني بسند ولو موضوع أن صحابيًا مات وتحته امرأة واحدة، بل ما من صحابي من صحابة رسول الله ﷺ إلا وكانت تحته على الأقل أربع نساء من النكاح وكثير من الإماء.
وإليكم الأدلة على أن الأصل في النكاح التعدد حتى لا يكون هذا ادعاء كاذبًا أو عار عن الأدلة! الدليل الأول: قول الله تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء:٣]، فقوله: (فانكحوا) أمر، وأصل الأمر الوجوب، وأقل أحواله أن يكون للاستحباب، إذ إن أقل أحوال الوجوب أن يصرف إلى الاستحباب.
الدليل الثاني: أن الله صدر الأمر بالتعدد ثم ثنى بالإفراد والاقتصار على واحدة، والتصدير يكون لما له الأهمية، فدل ذلك على أن الأصل في النكاح التعدد، قال تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء:٣]، فقدم الأصل وأخر الفرع، ومقاصد الشريعة دائمًا تفعل ذلك، فتقدم الأصول ثم تأتي بعد ذلك بالفروع.
الدليل الثالث: قول الله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء:٣]، فجعل الاقتصار على واحدة مشروط بشرط، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط كالعلة للحكم، فإن الحكم يدور مع العلة حيث دارت، ومفهوم المخالفة فإن لم تخافوا أي: إن استطعتم أن لا تظلموا فارجعوا إلى الأصل وهو النكاح بالمثنى والثلاث والرباع.
الدليل الرابع: أن هذا هو فعل النبي ﷺ، والله لا يختار لنبيه إلا الأكمل والأفضل، فالله جل وعلا اختار لنبيه أن يعدد إلى التسع فمات وعنده تسع على ذمته، وتزوج أكثر من ذلك، وتسرى بـ مارية، فهذا هو الأكمل الذي اختاره الله جل وعلا له، وهذا هو فعل الصحابة، فما من صحابي إلا وقد عدد، فكان هذا هو الأكمل والأفضل؛ لأنه فعل النبي ﷺ.
الدليل الخامس: أن الإنسان إذا أمر بشيء فعليه أن يأتي منه ما استطاع، فالاستطاعة قد تكون أولية أو ثانوية إلى درجات عالية، قال النبي ﷺ: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وقد أمرنا النبي ﷺ بالنكاح، وأمرنا الله بالتعدد ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء:٣]، فأعلى شيء بالامتثال للأمر هو: الأربع، وأقل منه: الثلاث، وأقل منه: الاثنتين، وأقل الأقل: أن يقتصر على واحدة، فكمال الاقتداء بالنبي ﷺ هو التعدد.
هذه أدلة متوافرة متضافرة تبين لنا أن الأصل في النكاح التعدد، ومن عنده دليل يخالف ذلك فليأتنا به، فالأصل في النكاح التعدد، ومستحب لكل ميسور قادر على النكاح أن يتقي الله في نفسه فيعدد، وأن يعف الأخوات المسلمات؛ لأن هذه هي حكمة التشريع، فالنساء الآن كثيرات والرجال في قلة، بل سيصل الأمر قبل يوم القيامة أن الرجل الواحد يكون قيم على أربعين امرأة، والإحصائيات الآن أن كل ثلاث أو أربع نساء لهن قيم واحد! فلا بد لكل من يسر الله له الآلة ووفقه ألا يترك هذه العبادة الجليلة، وليتق الله جل وعلا إن علم من نفسه أنه لا يظلم، وليسارع في هذه العبادة، ولتتق الله المرأة في زوجها، ولا تعوقه وتكون حجر عثرة أمامه إذا أراد أن يعف مسلمة، ولتؤثر بنفسها لأختها، ولا تستأثر بزوجها أنانية وطاعة لهوى نفسها، لا طاعة لربها.
فالأصل في النكاح التعدد، وكل امرأة لا بد أن تصبر على ذلك، وتتق الله ولا تظهر غيرتها وتتبع هواها فتعرقل الرجل الذي استطاع أن يعدل بين اثنتين وتمنعه أن يتزوج الثانية أو الثالثة أو الرابعة.

20 / 12