Durūs lil-Shaykh ʿAbd al-Raḥmān al-Sudays
دروس للشيخ عبد الرحمن السديس
Genres
فرقة الأمة بعد وحدتها
ثم إنه بعد انقضاء القرون المفضلة دب في الأمة داء الفرقة والخلاف، وعصفت بها عواصف التشتت والنزاع، وعمها طوفان الإعراض عن منهج الله، فتفرق شملها وتبدد صفها، وتمزقت وحدتها، فذلت بعد عزة، وضعفت بعد قوة، وغرقت في أوحال الجهل والخرافة، ومستنقعات الشرك والوثنية إلا من رحم الله، لكن من رحمة الله سبحانه بأمة محمد ﷺ أن وقاها عذاب المحق والاستئصال، وقضى بوجود الطائفة المنصورة والفرقة الناجية إلى قيام الساعة، فراية التوحيد لا تسقط أبدًا، وصوت الإسلام لا ينقطع سرمدًا.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله ﷺ قال: ﴿لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون﴾ فلم يخل قرنٌ من القرون مع كثرة الفتن وغلبة الإعراض والمحن من وجود أئمة مهديين، وعلماء ربانيين، ودعاة مصلحين، يجددون لهذه الأمة أمر دينها، إمامة ودعوة، تعليمًا وإصلاحًا، قدوة وجهادًا ينفون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويذبون عن شريعة رب العالمين، وسنة سيد المرسلين ﵊، مصداقًا لقوله ﷺ في الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الحاكم وسنده جيد ورجاله ثقات: ﴿إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها﴾ فلم يزل ﷾ تفضلًا منه ومنة يوفق لإقامة عقيدة التوحيد، ويمكن لشريعة الإسلام، مع أن عوامل الضعف ما برحت، ونقم الكيد للإسلام وأهله ما فتئت تصيب الأمة بالوهن والأدواء، في عددٍ من أعضاء جسدها المثخن بالجراح.
32 / 3