Lessons by Sheikh Abdul Aziz Bin Baz
دروس للشيخ عبد العزيز بن باز
Genres
كلمة في عقيدة أهل السنة والجماعة
عقب الشيخ ﵀ على محاضرة في العقيدة ألقاها أحد الإخوة تضمنت فصولًا جيدة مهمة، وقد تضمن هذا التعقيب شذرات مفيدة عن أهمية العقيدة، ومصدرها، وبعض مسائلها.
1 / 1
شذرات من العقيدة الصحيحة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فقد سمعنا جميعًا هذه المحاضرة القيمة من فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن بن حماد بن عمر، والتي هي عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي محاضرة -بحق- مفيدة، وموافقة لما هو معروف عن أهل السنة والجماعة.
ومن المعروف أن الناس اغتروا كثيرًا، وتنوعت بهم الطرق، وحاد كثيرٌ منهم عن الطريق السوي، فوفق الله أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي ﵌ ورضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان، للأخذ بما جاء به النبي ﵌، مما دل عليه كتاب الله العزيز، ومما جاء في السنة الصحيحة، هدى الله أولئك الأخيار وهم الصحابة ومن سلك سبيلهم، للأخذ بالحق والسير عليه، والتعرف إليه.
وهؤلاء أهل السنة والجماعة هم أصحاب النبي ﵊ ﵃، وأتباعهم بإحسان؛ من التابعين، وأتباع التابعين، وأئمة الهدى من بعدهم إلى عصرنا هذا، ومن سار على طريقهم فهو منهم، جعلنا الله وإياكم منهم.
وقد أجاد فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن وأفاد عن هذه العقيدة العظيمة، فجزاه الله خيرًا، وأعظم مثوبته، ونفعنا وإياكم جميعًا بما سمعنا وعلمنا، وزادنا وإياكم وإياه علمًا وفقهًا وتوفيقًا وفهمًا.
ورد أن هذه العقيدة يجب على كل مسلمٍ أن يعرفها وأن يفهمها؛ لأن كثيرًا من الجهلة والمنحرفين وأعداء الإسلام يلبسون على الناس في عقائدهم، ويتكلمون فيها بجهل وبغير علم، وبقصد سيئ، للتضليل، والتشبيه، والتزييف، وقصد انحراف الناس عن الهدى، فإذا كان المسلم على بينة وعلى بصيرة بالعقيدة الصالحة؛ استطاع أن يحذر شر هؤلاء، وأن يبتعد عما يطلبون من الشر، ويدعون إليه من الباطل، بما أعطاه الله من الهدى والبصيرة.
وقد صح عن النبي ﵊ أنه قال: (من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين)، فعلامات السعادة والخير أن يُفَقّهَ العبد في دين الله، وأن يتبصر في أمر الله؛ هذه علامة أن الله أراد به خيرًا، أما الإعراض، والجهل، والغفلة، وعدم العناية بأمر الدين؛ فهذه علامة ظاهرة على أن الله ما أراد بالعبد خيرًا، فينبغي للمؤمن أن يحذر هذا الخلق، وهو خلق الإعراض والرضا بالجهل، وعليه أن يتعلم ويتفقه ويحضر حلقات العلم، ويسأل عما أشكل عليه.
1 / 2
مصادر اقتباس العقيدة الصحيحة
وهذه العقيدة بحمد الله ميسرة؛ لأنها في كتاب الله الذي تقرؤه -أيها المسلم- دائمًا، هذه العقيدة في كتاب الله ﷿، في القرآن العظيم، الذي فيه الهدى والنور، وهو ميسر بين يديك، تستطيع قراءته ليلًا ونهارًا في جميع الأوقات، وقد بيّن فيه ﷾ العقيدة الصحيحة، وبيّن فيه ما يجب له من الحقوق، وبيّن أسماءه وصفاته، وبيّن أمر الآخرة والجنة والنار، وبيّن صفات الأخيار وصفات الأشرار بيّن صفات المؤمنين وصفات الكافرين، وبيّن أعمال أهل الجنة وأعمال أهل النار، فأنت إذا تدبرت كتاب ربك عرفت منه العقيدة الصحيحة، قال الله جل وعلا: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء:٩]، وقال سبحانه: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ﴾ [فصلت:٤٤]، وقال ﷿: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص:٢٩]، وقال: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد:٢٤]، وقال: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام:١٥٥] .
ثم ما صح من السنة عن رسول الله ﵊ ميسر مدون وموجود في كتب أهل العلم، ففي إمكان طالب العلم، وفي إمكان المسلم وطالب الحق أن يسأل عن كل ما أشكل عليه، وأن يكون على بينة وعلى بصيرة؛ ولاسيما عند سماع ما قد يشكل عليه، وعند دعوته إلى ما قد يشكل عليه بإمكانه أن يسأل أهل العلم، ويتبصر حتى يعلم الحق بدليله، وحتى يسلم من شبهات المشبهين، وتضليل الضالين، وقد قال الله جل وعلا: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة:١٠٠]، فالمتبعون للصحابة بإحسان هم المرضي عنهم، وهم أهل الجنة، جعلنا الله وإياكم منهم! واتباعهم بالعلم النافع، والتفقه في الدين، وبالعمل بما كانوا عليه من طاعات، وترك ما حذروا منه من البدع والخرافات والمحرمات، والسير في الطريق السوي الذي ساروا عليه واستقاموا عليه؛ وهو صراط الله المستقيم.
1 / 3
توحيد الألوهية
ومن ذلك ما سمعتم من توحيد الله وتخصيصه بالعبادة، وأن الواجب أن يخص ﷾ بالعبادة دون ما سواه، وإن انحرف كثير من الناس، وهم ينتسبون إلى الإسلام، ويزعمون أنهم مسلمون، ومع ذلك انحرفوا عن الطريق السوي في طاعة الله وعبادته، وقوم يعبدون القبور وأهل القبور، ويستغيثون بهم، وينذرون لهم، ويطلبون منهم المدد: المدد المدد يا فلان! وربما طافوا بقبورهم، وهذا من أقبح الشرك بالله ﷿؛ فإن الله ﷾ قال: ﴿فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن:١٨]، وقال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة:١٨٦]، وقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:٦٠]، فهو سبحانه يدعى ويرجى، أما الأموات والأشجار والأحجار والأصنام فلا، هذا دين الجاهلية ودين المشركين، أما دين أهل التوحيد.
أهل الإسلام، فهو توحيد الله وإخلاصه، وهذا معنى (لا إله إلا الله)، ومعناها: لا معبود بحقٍ إلا الله ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء:٢٣] وقال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:٥] .
1 / 4
توحيد الربوبية
كذلك الإيمان بأن الله هو الخالق الرازق، مدبر الأمور، مصرف الأشياء، بيده كل شيء، العالم بكل شيء، والقادر على كل شيء، بيده الضر والنفع، والعطاء والمنع، فتضرع إليه، وتسأله حاجاتك ﷾، وتستقيم على شريعته، وتحذر ما خالفها.
1 / 5
توحيد الأسماء والصفات
ومن ذلك ما سمعتم من العناية بالإيمان بالله وأسمائه وصفاته، وأن أسماءه كلها حسنى، وأن صفاته كلها علا، وأنه موصوف بها على الوجه الذي يليق به جل وعلا، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا زيادة ولا نقصان؛ فالمؤمن يُمِر آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت، ولا يتأول، ولا يحرف، ولا يزيد ولا ينقص، ولا يكيف، ولا يعطل؛ بل يؤمن بأن الله جل وعلا موصوف بأسمائه وصفاته على الوجه اللائق به ﷾.
فكما أن ذاته سبحانه حق لا تشبه الذوات، فهكذا صفاته كلها حق لا تشبه صفات المخلوقين، فهو سبحانه موصوف بصفات الكمال، منزه عن جميع صفات النقص والعيب.
نؤمن أن الله تعالى مستوٍ على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته، لا يشابهه الخلق في استوائهم، استواؤه على العرش ليس مثل استواء المخلوقين على دوابهم، أو على سياراتهم، أو على طائراتهم، أو على سطوحهم، لا! وإنما هو استواء يليق بالله، لا يشابهه الخلق في صفاته جل وعلا، كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١]، وقال سبحانه: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:٤] وقال: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٧٤] فيقال: الاستواء معلوم، والارتفاع معلوم، والكيف مجهول، لا نعلم كيفية الاستواء وكنهه هذا! ولكن نعلم أنه سبحانه فوق العرش، وأنه عالٍ فوق جميع خلقه، وأنه العلي الأعلى ليس فوقه شيء ﷾.
وهكذا الموصوف بأنه الرحمن، والرحيم، والسميع، والبصير، وبأنه يغضب ويرضى، ويعز ويذل، ويعطي ويمنع إلى غير ذلك.
وهو موصوف بأن له يدين وقدمين جلا وعلا يسمع ويبصر له أصابع تليق بالله لا يشابه خلقه ﷾.
وقد أخبر عن نفسه بأنه ﷾ له يدان، قال جل وعلا: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة:٦٤]، وقال ﷾: ﴿يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص:٧٥]، وقال: ﴿وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر:٦٧]، وقال رسول الله ﵌: (يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار)، وقال: (إن جهنم لا تزال يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها رجله، فيلتوي بعضها على بعض فتقول: قَطْ قَطْ) أي: حسبي حسبي نسأل الله العافية! فالمقصود أن صفاته سبحانه تليق به جل وعلا، لا يشابهه خلقه ﷾، فـ أهل السنة والجماعة من الصحابة ومن اتبع سبيلهم يمرونها كما جاءت، ويؤمنون بها ويعلمون أنها حق، وأن الله ﷾ لا يشابه الخلق في شيء من صفاته جل وعلا.
1 / 6
حقيقة الإيمان
وهكذا في الإيمان والمعاصي والطاعات، أهل السنة والجماعة لهم طريق ولهم صراط مستقيم، ليس كطريق أهل البدع من الخوارج والمعتزلة وغيرهم، فـ أهل السنة والجماعة يقولون: إن الإيمان يزيد وينقص -الإيمان بالله ورسوله يزيد وينقص- يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وأصل إيماننا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأركان الإسلام خمسة -وهي معلومة لديكم-: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وأركان الإيمان ستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، مع ما في هذا من الفائدة والعلم.
هذه أصول أهل السنة والجماعة، عليها ساروا، وعليها استقاموا، وأهل البدع الذين غيروا وبدلوا على أنواع وعلى أقسام، لكن أهل السنة والجماعة ثابتون على الحق، يؤمنون بالله ورسوله، ويصدقون بما جاء عن الله ورسوله، ويقولون: إيماننا يزيد وينقص بالصلاة، بالصيام، بالحج، بالجهاد، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقوى إيمان العبد ويتضاعف ويزيد ويكثر، وإذا عصى بسرقة، أو عقوق، أو قطيعة رحم، نقص إيمانه وضعف، لكن لا يكون كافرًا، مثل الشجرة إذا قطع منها غصن أو غصنان لا تزول، وإنما يكون شيء منها ناقصًا، فإذا قطع أساسها واجتث ذهبت، وهكذا الإيمان، له أساس، وله أصول، وله فروع، فإذا قطع من فروعه بعض الأشياء لا يزول بل يبقى معه أصل إيمان، كما في أصل الشجرة، فـ أهل السنة والجماعة يقولون: الإيمان يزيد وينقص، بالاستقامة على طاعة الله، والمحافظة على دين الله؛ يقوى الإيمان ويزداد ويكمل، وبتعاطي العبد بعض المعاصي التي لا تكفره، كشرب الخمر، والزنا، والعقوق، وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة، والأيمان والكاذبة، وأشباه ذلك؛ هذه كلها نقص في الأصول والفروع، كلها تضعف الإيمان والدين، ولكن لا يكون كافرًا، وبعض أهل البدع يقولون: متى سرق كفر، ومتى زنا كفر، ومتى شرب الخمر كفر، ليس عندهم فرق بين الأصول والفروع، ولا بين الزيادة والنقصان، كـ الخوارج، وهذا باطل.
وكذا المعتزلة من جنسهم يقولون: متى فعل هذه الكبائر خرج من الإسلام، وكان مخلدًا في النار يوم القيامة، وإن تورعوا عن تكفيره، لكنهم مع مكفريه في المعنى.
أما أهل السنة والجماعة من أصحاب الرسول ﵌ وأتباعهم بإحسان، فيقولون: إن الإيمان يزيد وينقص ما دام أصله موجودًا، أما فروعه فإنه إذا أخل منها بشيء لا يكفر ما لم يستحله، فإذا زنى وهو يعلم أن الزنا حرام يكون ناقص الإيمان ضعيف الإيمان، مستحقًا لعقوبة الله والحد في الدنيا والعذاب في الآخرة إذا فعل ذلك.
كذلك إذا شرب الخمر وهو يعلم أنها حرام، وأنه عاصٍ، فهو عاصٍ وإيمانه ناقص، ويستحق الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة، لكن لا يكون كافرًا مثل اليهود والنصارى والمشركين، إلا إذا استحله، إذا قال: إن المسكر حلال، والزنا حلال؛ صار كافرًا كفرًا أكبر مخرجًا عن الإسلام، كالكفار واليهود والنصارى وغيرهم، بل أشد؛ لأن الردة فوق ذلك.
هذه الأشياء التي سمعتم ووضحت لكم أصول ومهمات عظيمة، ينبغي أن تكون على البال.
1 / 7
عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة
ومن أهم أصول أهل السنة والجماعة: محبة الصحابة ﵃، والترضي عنهم، والكف عما شجر بينهم؛ فإن الرافضة يسبون الصحابة، يسبون أبا بكر وعمر وعثمان وجمهور الصحابة، ويلعنونهم، وهذا من أعظم البلاء والعياذ بالله! وهذا من جهلهم وضلالهم وانحرافهم عن الهدى -نسأل الله العافية- ويزعمون أن الصحابة ظلموا، وأن الخلافة لـ علي، وأنهم تعدوا عليه وأخذوا الخلافة منه، فكفروهم وفسقوهم بهذا.
والرافضة ضالون مضلون، قد خالفوا الطريق، وخالفوا ما عليه أهل السنة والجماعة، وخالفوا النصوص.
1 / 8
مراحل الشباب أهم مراحل العمر
مرحلة الشباب مرحلة عظيمة وخطيرة، إن استغلت في الخير والطاعة، فيافوز من وفق لذلك! وإن استغلت في الشر والمعصية فيا خيبة من فاتته هذه المرحلة! واستغلالها في الطاعة يكون بالعناية والاهتمام بالقرآن والسنة حفظًا وتفقهًا، مع استغلال الأوقات حتى لا تذهب سدى، مع طلب المعالي في جميع الخيرات والترفع والتنزه والابتعاد عن الموبقات والمهلكات.
2 / 1
استغلال نعمة الشباب في طاعة الله
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الشباب من نعم الله العظيمة، وصاحبه قد مُنح قوة تعينه على تحقيق آماله بالاستعانة بالله ﷿، وهي مرحلة عظيمة ينبغي أن تصان عما لا ينبغي من الأخلاق والأعمال، وينبغي لصاحبها أن يجتهد فيما يبلغه إلى الله ﷿ ونفع عباده.
مرحلة الشباب مرحلة عظيمة، هي أهم المراحل، ومن سنة الله ﷿ أن العبد إذا استقام على أمرٍ وواظب عليه وشب عليه، فإن الله جلَّ وعَلا يعينه على إكمال ذلك، ويتوفاه على ما عاش عليه ونشأ عليه من الخير، وقد أشاد الإسلام بالشباب وحثه على الاستقامة، ورغبه بأسباب النجاة والسعادة، ولهذا ثبت في الصحيحين: عن النبي ﷺ أنه قال: (سبعةٌ يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) .
هذا الحديث العظيم يدل على عظم شأن الشباب، وأنه ينبغي للشاب أن يُعنى بهذه المرحلة، وأن يستقيم فيها على أمر الله، وأن يحاسب نفسه؛ حتى لا يكون سببًا لضلال غيره.
وقد ذكر ﵊ هؤلاء السبعة، وبدأهم بالإمام العادل؛ لأن الإمام العادل مصلحته تعم المسلمين، وتنفع المسلمين، فيقيم فيهم شرع الله، ويحكم فيهم بالعدل، وينصف مظلومهم من ظالمهم، ويعينهم على طاعة الله ﷿، فلهذا صار أول السبعة، الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
ثم ذكر بعده الشاب الذي نشأ في عبادة الله، فصار هو الثاني؛ لأن الشاب إذا نشأ في عبادة الله نفع الله به الأمة، فعلمهم، ودعا إلى الله في شبابه وبعد مشيبه وكبر سنه، فيكون نفعه عظيمًا، والفائدة كبيرة، لكونه نشأ في طاعة الله وعبادته، ولكونه تعلم في حال القوة والنشاط، فيزداد علمًا وهدىً وتوفيقًا كلما زاد سنه وارتفع، فيكون نفعه أكثر للأمة، والتأسي به في ذلك، كذلك من الشباب المماثل، فالشباب يتأسى بعضهم ببعض، ويقتدي بعضهم ببعض، فكلما قوي نشاط الشباب في طاعة الله تأسى به الآخرون، وكثر عباد الله المستقيمون، وانتشر العلم بينهم، وتأسى بهم غيرهم، فيكثر الخير، ويقل الشر، ويقوم أمر الله، ويخذل الباطل، وتشيع الفضائل، وتختفي الرذائل.
ومن ذلك: قوله ﷺ: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) فأمر الشباب بالزواج، حتى يحصنوا فروجهم ويغضوا أبصارهم، وحتى يكونوا قدوة لغيرهم في الخير، ولهذا قال: (فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج) .
فعُلِم بذلك أنه ينبغي للشباب أن يبادر إلى كل ما يعينه على طاعة الله، حتى يتأسى به غيره، وحتى تكون سجية له، وعملًا مستمرًا له في طاعة الله ﷾.
2 / 2
نصائح وتوجيهات للشباب
مما يتعين على الشباب: أن يجدوا في طلب العلم، والعناية بالقرآن الكريم، حتى يعرف الشاب أحكام الله، وحتى يسير على بصيرة من الله في حال شبابه وبعد كبر سنه، بخلاف ما إذا كبر في السن، فإن المشاغل تكثر، والفهم يضعف، أما حال الشباب فهي أقوى على فهم النصوص، وأقرب إلى حفظها، وأقرب إلى العمل بها، وأقوى على ذلك، فلهذا ينبغي للشاب أن يحفظ وقته، وأن يصون شبابه، حتى لا يقع فيما حرم الله عليه، وحتى لا يتكاسل ولا يضعف عما أوجب الله عليه.
أيها الشباب: أيها الإخوة في الله! أيها الأبناء! إن الواجب عظيم، فعليكم بالجد والتشمير في طاعة الله، وفي طلب العلم، والتفقه في الدين، وحفظ الأوقات عما لا ينبغي، فالوقت في الحقيقة أعز وأغلى من الذهب، فينبغي أن يُصان عما لا ينبغي ينبغي أن يصان عن المحارم، وعن الرذائل، وعن كل ما يشين المؤمن، وينبغي أن يُحفظ فيما ينفع، وفيما يعين على طاعة الله، وفيما يقوي على الجهاد في سبيل الله، وفيما ينفع الأمة في دينها ودنياها.
هكذا ينبغي للشاب أن يكون وقته محفوظًاَ في طاعة الله، وفي التعلم والتفقه في الدين، وفي تعلم الأشياء الأخرى التي تنفع الأمة، وتعينها وتغنيها عن الحاجة إلى الغير، فالأمة في حاجة إلى التفقه في الدين، وإلى ما يبصرها فيما شرع الله لها، وفيما أوجب الله عليها، كما أنها في حاجة إلى شباب يتعلموا كل ما تحتاجه الأمة في جميع شئونها الدفاعية، وشئونها التي تحتاج إليها في حياتها.
فينبغي للشاب أن يكون ذا عناية وذا حفظ للوقت، يشغله بما ينفع في العلم النافع والعمل الصالح، وفي العلوم الدنيوية النافعة التي يُستعان بها على الإعداد للأعداء، وعلى حفظ البلاد، وعلى نصر دين الله، والجهاد في سبيله، وعلى الغنى عما عند أعداء الله، حتى لا نحتاج إليهم.
ومعلوم أن الشباب قوته على العمل، وصبره على العمل، وقوة حفظه وفهمه أكثر بكثير مما إذا ارتفعت السن، وخطه الشيب، وجاءه الضعف، فإن الحال غير الحال، فينبغي له أن يحفظ هذا الوقت العظيم، وهذه الفرصة العظيمة حتى لا تصرف إلا فيما ينفع في الدين والدنيا، وفيما ينفعه لنفسه، وفيما ينفع الأمة الإسلامية، حتى ينفعها في دينها ودنياها، وحتى يساعد في بناء نهضتها الإسلامية النافعة المفيدة، وحتى يساعدها أيضًا في حمايتها من كيد أعدائها، وفي إعداد القوة النافعة المفيدة التي تعينها في جهاد الأعداء، وفي حماية البلاد وحفظها عن مكائد أعداء الله.
2 / 3
الشباب والعناية بالقرآن
من أهم الأمور وأعظمها: العناية بالقرآن، فإن القرآن الكريم هو رأس كل خير، وهو ينبوع السعادة، فينبغي للشباب أن يُعنى بكتاب الله، وأن يكون له نصيب من تلاوته، وتدبر معانيه، وحفظه، حتى يستنبط منه ما أراد الله من العباد من أحكام وشرائع، من أوامر ونواهٍ، وأخبار وقصص، حتى يكون على بينة فيما مضى وفيما يأتي، وعلى بينة في أحكام الله وشرائعه.
2 / 4
الشباب والاهتمام بالسنة
بعد ذلك: السنة المطهرة، ينبغي للشباب أن يُعنى بها حفظًا ودراسة، وتفقهًا ومذاكرةً فيما بينهم، وسؤالًا للمدرسين والعلماء عما أشكل، فيكون وقته محفوظًا بين دراسة وحفظ، وبين مذاكرة، وبين سؤال من المدرسين والعلماء والموجهين عن كل ما يشكل من ذلك.
ولا يتأتى هذا إلا بعد العناية والدراسة والتدبر في كتاب الله وسنة الرسول ﷺ، وهكذا العلوم الأخرى التي يتعلمها لمصلحة الأمة، وحماية دينها ودنياها، وحماية الأوطان عن مكائد الأعداء.
فهو لا يزال في علم نافع، وفي فوائد يستفيدها إما في دينه وإما في دنياه، مع حفظ الأوقات الأخرى في المذاكرة والسؤال والمطالعة فيما يحتاج إليه، وبقية الوقت يكون محفوظًاَ أيضًا في حاجته الخاصة في نومه، وتناول طعامه وشرابه، وفي صلته بأهله، وغير هذا من شئونه.
2 / 5
الشباب وحفظ الأوقات
لا ينبغي للعاقل أبدًا أن يضيع الوقت في غير منفعة، إما في دين وإما في دنيا.
ولهذا شرع الله لنا أن نحفظ أوقاتنا، وأن نصونها عما لا ينفع، يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) فبين النبي ﷺ أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، والمؤمن القوي هو الذي يعتني بالأمور كلها، فيعتني بالعلم النافع، والتفقه في الدين، ويعتني بالعلوم الأخرى التي تنفع الأمة في دنياها ودينها، وتغنيها عن الحاجة إلى أعدائها.
وهو أيضًا قوي في تنفيذ الأوامر والنواهي، قوي في طلب العلم، قوي في التفقه في الدين، قوي في أمر الله والدعوة إلى سبيله، قوي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوي في جهاد الأعداء، قوي في وعيه وتفكيره، قوي في كل شأن من شئونه، هكذا المؤمن القوي، هكذا المتبصر الموفَّق، العالي الهمة، هذا شأنه أبدًا، إما في علم وعمل، وإما في دعوة إلى الله، وإما في مذاكرة، وإما في أمور أخرى تنفع الأمة في دينها ودنياها، فهو قوي في قلبه، قوي في عمله، قوي في علمه، قوي في تفكيره، قوي في دعوته، قوي في أمره بالمعروف، قوي في نهيه عن المنكر، قوي في صبره على الجهاد، قوي على مصابرة الأعداء، قوي في تعلمه كل ما ينفع في أمر الدين والدنيا.
ولهذا كان أحب إلى الله وخيرًا عند الله من المؤمن الضعيف الذي ليس عنده همة عالية، وعناية تامة بالأمور الأخرى التي يتعدى نفعها إلى الأمة.
ثم قال ﵊: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله) هذه كلمة جامعة من جوامع الكلم التي أوتيها النبي ﵊، فإن الله جمع له العلوم الكثيرة والمعاني العظيمة في كلمات قليلة، يقال لها: جوامع الكلم، وهذه منها: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله) لما بين أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، بيَّن ما ينبغي للمؤمن، وما يُشرع له أن يسير عليه، فقال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله) هذا هو المطلوب من المؤمن، أن يحرص على ما ينفعه عاجلًا وآجلًا، في أمر دينه ودنياه، وأن يستعين بالله في ذلك، فلا يضعف ولا يكسل، ولا ينسى عون ربه فيعتمد على نفسه فقط، بل يعتمد على نفسه بعد الاستعانة بالله، وبعد اللَّجَأ إلى الله، وتعليق القلب به، والاستعانة به في كل شيء، فهو سبحانه المعين والموفق.
والعبد ضعيف بدون ربه، فعليه أن يستعين بالله، ولهذا قال ﷿: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:٤] فأخبر أنه المعبود، وأنه المستعان.
فأنت عليك أن تعبده بطاعتك له سبحانه، وباللجوء إليه والاستعانة به ﷾، وعليك مع ذلك أن تحرص على ما ينفعك، مجتهدًا في الأسباب، حريصًا على تعاطيها؛ لكن مع الاستعانة بالله ﷿، واللجوء إليه، وإيمانك بأنه هو المعين وهو الموفق، وأنه لا عون لك إلا هو ﷾.
2 / 6
الشباب والجمع بين التوكل وتعاطي الأسباب النافعة
وهكذا ينبغي للمؤمن أن يكون جامعًا بين الأمرين، آخذًا بالأسباب، متعاطيًا الأسباب النافعة في أمر الدين والدنيا، مستعينًا بالله على ذلك.
هكذا شأن المؤمن، وهكذا شأن المتوكلين، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة:٢٣] .
فالمتوكلون يجمعون بين الأمرين؛ بين الحرص على الأسباب النافعة، والعوامل المفيدة في أمر الدين والدنيا، ومع ذلك يعتمدون على الله، ويتوكلون عليه، ويستعينون به ﷾، مقرين ومعترفين بأنه لا غنى لهم عنه ﷾، وأنهم به جلَّ وعَلا، ليس لهم غنىً عنه طرفة عين، هكذا ينبغي للمؤمن في جميع أحواله.
فإذا فات المحبوب أو حصل المكروه فلا يعجز، ولا يلجأ إلى التحسُّر وإلى إرضاء الشيطان، فيقول: لو فعلتُ كذا لكان كذا، لو فعلتُ لكان كذا، لا.
بل يقول: قَدَرُ الله وما شاء فعل، إنا لله وإنا إليه راجعون، هكذا يقول المصاب الذي فاته المحبوب، أو حصل عليه المكروه، بعدما جدَّ واجتهد، وبعدما ثابر وعمل، وأخذ بالأسباب، فعند هذا يقول: قَدَرُ الله وما شاء فعل، قد فعل ما ينبغي، قد أخذ بالأسباب، وجدَّ واجتهد؛ ولكن قد سبق في علم الله وقدره أن هذا لا يحصل له، فهو جاد مجتهد في أسباب الخير والتوقي للشر، جاد مجتهد في طلب المعالي ومكارم الأخلاق، جاد مجتهد في الحذر من سفاسف الأمور، وسيئ الأخلاق، ولكن قد يفوته بعض مطلوبه، وقد يحصل له بعض المكروه، فعند ذلك لا يجزع ولا يتحسر ولا يضعف عن العمل، بل يستمر في العمل، ويصبر ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قَدَرُ الله وما شاء فعل، فهو وإن أخفق في بعض المسائل، ولم يحصل له المطلوب؛ لكنه في الغالب يفوز بالمطلوب، وهذه سنة الله في عباده.
من جدَّ واجتهد وأخذ بالأسباب وصابر فإنه في الغالب يفوز بالمطلوب، ويسلم من المكروه، سنة الله في عباده، ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب:٦٢] .
وإن أهم الأمور أيها الأبناء الكرام الحفاظ على دين الله، والاستقامة عليه، كما قال جلَّ وعَلا في الفتية: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً﴾ [الكهف:١٣] .
فالشباب إذا وفقهم الله في الحفاظ على دينه، والاستقامة عليه، والتفقه فيه، والدعوة إليه، والصبر والمصابرة، فإن الله جلَّ وعَلا يعينه فيما بقي من عمره، ويحفظ عليه بقية عمره، ويعينه على أداء الواجب وتبليغ الرسالة أينما كان، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:٢-٣] ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق:٤] .
فمن اتقى الله، وجدَّ في الأعمال وصابر، فإن الله يعينه، ويفتح له أبواب الخير، ويسهل له الأسباب النافعة، ويمنحه الصبر على ذلك، ويثيبه الثواب الجزيل على صبره وإخلاصه وصدقه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:١١٩] .
فعلينا أيها الأبناء الكرام! أن نأخذ بالأسباب التي شرعها الله وأباحها، وأن نجاهد في ذلك، ونصابر، وأن نحسن الظن بالله ﷿، وعلينا مع ذلك أن نتوقَّى ونحذر مَحارمه، ونؤدي ما أوجب علينا بإخلاص وصدق، نرجو ثوابه، ونخشى عقابه.
2 / 7
الشباب والمصابرة في طلب المعالي
هكذا المؤمن يؤدي ما عليه، ويصبر على ما شرع الله له، ويحافظ عليه، ومع ذلك هو أيضًا يطلب المعالي، ويسير في ركاب الخير، ولا يلين، ولا يضعف، ولا يجزع، ولا يسخط، ولا ييئس، بل هو صابر مجاهد مسارع إلى كل خير، واقف عن كل شر، يرجو الخير ويطلب ويأخذ بأسبابه، ويتوقى الشر ويبتعد عن أسبابه، عالمًا أن ربه جلَّ وعَلا على كل شيء قدير، وأنه مسبب الأسباب، وأن كل شيء بيده ﷾، وأنه شرع لنا أن نأخذ بالأسباب، وأن نأتي الأمور من أبوابها، ووعدنا التأييد والتوفيق والنصر: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق:٤] ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:٢-٣] ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ [الطلاق:٥] .
فوعده بأن يعطيه مطلوبه، ويسهل له مرغوبه، ومع ذلك يُعْظِم له الأجور، ويغفر له الذنوب ﷾، فهذه من نعمه وفضله ﷾ على من طلب فضله، وجد في طلب مرضاته، وسارع إلى ما أمر به، وتباعد عما نُهي عنه عن فقه وبصيرة، وعن نظر فيما يجب عليه، وعن ابتعاد عما حرم الله عليه.
وقال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة:١٩٧] .
فالمؤمن سواء كان شابًا أو شيخًا فإنه يتقي الله، ويتزود مما يرضي الله ﷾، ويتباعد عن مساخط الله، ومع ذلك هو أيضًا جاد في الأسباب الأخرى النافعة في دينه ودنياه، التي تنفع الأمة، وتحفظ كيانها، وتغنيها عن شر أعدائها والحاجة إلى أعدائها، فلا يقف عند حد، بل هو دائم التشمير في طلب المعالي، كلما فرغ من شيء تشوف إلى ما هو أعلى منه وإلى ما هو فوقه من أعمال وعلوم ومنافع ينفع بها الأمة، وينفع بها نفسه.
والله ﷾ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [الأحزاب:٧٠-٧١] فالمؤمن متى اتقى الله، وحفظ لسانه، أصلح الله أعماله، وغفر له ذنوبه.
فأنت يا عبد الله متى اتقيت ربك، وجاهدت نفسك، وصابرت في طلب المعالي، وطلب ما يقرب إلى الله ﷾ ويباعد من سخطه، أصلح الله لك الأعمال، ويسر لك الأمور، وبلغك الآمال، وغفر لك الذنوب؛ فضلًاَ منه وإحسانًا.
فإياك والغفلة، وإياك والكسل، وإياك والعجز، وإياك وسوء الظن بالله، كل هذه الأمور يجب أن تتضح، وأن تكون عالي الهمة، قوي الأمل، حسن الظن بالله ﷿، صالح الأعمال، صادق الرغبة، نشيطًا في كل خير، بعيدًا عن كل شر، وبهذا تكتسب المعالي، وتوفَّق لأحسن الأعمال، وأفضل الأعمال، وتُعان على كل خير، وتوقي كل شر.
وأسأل الله ﷿ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا وإياكم الصدق والنصح في العمل، وأن يعيننا وإياكم من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه رضاه، ولكل ما فيه فلاح الأمة ونجاتها.
كما أسأله سبحانه أن يصلح حال المسلمين جميعًا، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يوفقهم لما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، إنه جلَّ وعَلا جواد كريم.
وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
2 / 8
الأسئلة
2 / 9
كيفية العلاج من اللواط والعادة السرية
السؤال
إنني يا فضيلة الشيخ إنسان مؤمن بالله والحمد لله على ذلك؛ فالصلاة أقوم بها، والصوم كذلك، والعمرة، فقد اعتمرتُ حتى الآن ثلاث عشرة مرة، وعمري تسع عشرة سنة، ومنذ نحو ست سنوات مضت كنت أقوم بشيء لا يرضي الله ولا رسوله، وهو والعياذ بالله اللواط والعادة السرية، ففي عامنا الفائت وفي إجازة الربيع (١٤٠٤هـ) ذهبنا إلى مكة لأخذ عمرة، فصممتُ التوبة إلى الله من هاتين العادتين السيئتين، فتبتُ، ولله الحمد على ذلك، فلما أتى رمضان في نفس العام، أخذتُ عمرةً أيضًا ومشكلتي حينما انتهى رمضان عدتُ للعادة السرية فقط ولم أرجع للواط، وحينما دخل عامنا (١٤٠٥هـ) وبدأت اختبارات نصف السنة التي قد مضت منذ ما يقرب الشهرين عُدت والعياذ بالله إلى عادة اللوط، وتركتُها، وأود من فضيلتكم الإفتاء في ذلك، وإفادتي أفادكم الله، حتى أتوب إلى الله توبة نصوحًا، وكيف الطريق إلى ذلك؟
الجواب
الله جلَّ وعَلا حرَّم علينا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأوجب علينا التوبة النصوح من جميع الذنوب، فقال ﷾: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور:٣١] وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ [التحريم:٨] وقال سبحانه: ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة:٧٤] هذه الآيات وما جاء في معناها كلها تدل على وجوب التوبة، وأنه ﷾ قد فتح أبوابها ويسرها لعباده، فعليك أيها السائل أن تتقي الله، وأن تجزم بالتوبة وتصدق بالتوبة، وأن تبتعد عن نقضها، وأن تحذر مكائد الشيطان، فإن الشيطان عدو مبين، وله نواب من الإنس يدعون إلى الفواحش والمنكرات ويحببونها، ويحببون نقض التوبة، ويقولون: إن الله غفور رحيم، إن الله تواب حكيم، إن الله كذا، إن الله كذا، حتى يوقعوك فيما حرم الله، وقد ينزل بك الأجل وأنت على معاصي الله ﷾، فيحال بينك وبين التوبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالواجب عليك أن تجزم على التوبة، وتصدق في التوبة من اللواط ومن العادة السرية، هذان محرمان، واللواط أعظم وأشنع؛ لأن اللواط من كبائر الذنوب، ومن أعظم الجرائم، وقد جاء في الحديث: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط)، وقال الله في كتابه العظيم عن اللوطية: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت:٢٨] فأخبر أن اللوطية ما سبقهم أحد، قوم لوط، لم يسبقهم أحد بهذه الفاحشة ممن قبلهم، نسأل الله العافية، وفي الحديث: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به) وقد أجمع علماء الصحابة ﵃ على أن اللائط والملوط به يُقتلان إذا كانا مكلَّفَين؛ لأنها جريمة أشنع من جريمة الزنا، والعياذ بالله.
فيجب الحذر والتوبة الصادقة، والبُعد عن أسباب ذلك، وعن مخالطة من يدعو إلى ذلك، أو يجر إلى ذلك، أو تتوق النفس إلى فعل ذلك معه، يجب الحذر من أولئك، فإن صحبة الأشرار من أعظم أسباب الشر، ومن أعظم دواعي الشر، فيجب البُعد عن صحبة الأشرار، ويجب الحرص على صحبة الأخيار، مع سؤال الله الثبات والتوفيق للاستقامة على التوبة، وعدم نقضها.
وهذا العادة السرية عادة قبيحة ومنكَرة، قال الله فيها وما في معناها: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون:٥-٧] أي: ظالمون، والعادة السرية غير الزوجة وغير ملك اليمين، فتكون من العدوان والظلم، وفيها مضار كثيرة كما بين أهل العلم، وبيَّن أهل الطب.
فيجب عليك الحذر منها؛ لأنها عادة سيئة منكَرة، فإياك وإياها، واحذرها، واحذر من يشير بها، أو يدعو إليها.
نسأل الله لنا ولك الهداية، والثبات على الحق، والصدق في التوبة.
2 / 10
حكم من احتلم ولم يصلِّ حتى وجد الماء
السؤال
ذهبنا مع بعض الأصدقاء إلى رحلة خارج الرياض، وبالضبط في الثمامة، فخرجنا يوم الأربعاء في الليل، فحينما جاء وقت النوم نمنا، فلما أصبحنا على يوم الخميس وجدتُ نفسي قد احتلمتُ، وكان عددنا أربعة، ولا يوجد معنا غير جالون ماء للشرب والأكل، فأخبرتُ أحد الأصدقاء بما حدث لي، فقال لي: تعفَّر وصلِّ معنا الفجر، يجوز لك ذلك، فعملتُ ما أمرني به، ولما جاء وقت صلاة الظهر شككتُ في الأمر، ولم أصلِّ معهم جميع الأوقات من فجر يوم الخميس إلى عشاء ليلة السبت في نهار الجمعة، فلما ذهبنا إلى الرياض صليتها بعد أن اغتسلتُ، وبدون أن أقصر في جميع الأوقات فيما فاتني، فماذا عليَّ في ذلك؟
الجواب
الواجب عليك إذا وقع مثل هذا أن تنظر، إن وجدتَ ماءً قريبًا منك تستطيع الغسل به فعلتَ ووجب عليك ذلك، فإن لم تجد تيممت كما قال لك صاحبك، تعفَّرت بالتراب؛ لأن الله ﷾ يقول: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء:٤٣] ويقول النبي ﷺ: (وجُعِلَت الأرض مسجدًا وطهورًاَ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فعنده مسجده وطهوره) ويقول ﷺ: (وجُعِلَ التراب لي طهورًا إذا لم أجد الماء)، فمن لم يجد الماء فالصعيد وضوءه.
فعليك إذا فقدتَ الماء في أي مكان أن تتيمم، وتضرب التراب بيديك، وتمسح به وجهك وكفيك كما أمر الله ﷾ وتصلي، وليس عليك إعادة، وإذا كنتَ في محل فيه ماء وجب عليك الغسل، وإذا كان الوقت باردًا سخَّنته بالنار، وإذا لم تجد نارًا وخشيت على نفسك شدة البرد تيممتَ وصليت وأجزأك، والحمد لله.
وأما تركك للصلاة معهم المدة الطويلة يوم الخميس والجمعة، فهذا غلط وخطأ منك، فعليك بالتوبة إلى الله من ذلك، والندم على ما مضى منك، وعدم العودة إلى مثل ذلك، وقد أحسنتَ في قضاء الصلاة لَمَّا تمكنت من الماء؛ ولكنك أخطأت في تركها، وفي التأخير.
فالواجب التوبة من ذلك، وألا تؤخرها عن وقتها، إن وجدتَ ماءً فاغتسل، وإلا فتيمم وصلِّ ولا تؤخرها عن وقتها أبدًا.
2 / 11
حكم استخدام علاج يضعف الشهوة الجنسية
السؤال
ما رأي فضيلتكم في علاج يميت اللذة الجنسية، فقد سمعتُ بعلاج يُدعى الكافور، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ أفيدوني أفادكم الله وجزاكم خيرًا.
الجواب
شدة الشهوة وقوتها وخطرها قال فيه النبي ﷺ: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فينبغي لك أن تصوم ما تيسر، وتستعين بالله، ثم بالصوم، أرشد النبي ﷺ إذا استطعتَ ذلك، فإن لم تستطع فاتصل بالمختصين من الأطباء الذين لهم عناية بهذا الشيء؛ حتى يرشدوك إلى ما يعينك على حفظ نفسك، وعلى كف شهوتك عما حرم الله، هناك أدوية تضعف الشهوة، ولا تقطع الشهوة؛ لكن تضعفها إلى أن تأتي الأسباب التي تعين على قضائها في الحلال، فعليك بسؤال المختصين الذين لهم عناية بهذا الأمر، حتى يرشدوك إلى أسباب تعينك على كبح شهوتك، والحذر من طغيانها؛ بالأدوية النافعة التي لا تقطعها ولا تضرك؛ لكن تضعفها في وقت خاص وفي وقت معين؛ حتى يتيسر لك الزواج، وقضاء الوطر فيما أباحه الله ﷾، والصوم إذا أمكن فهو من أحسن وأفضل الدواء الذي أرشد إليه النبي ﵊.
وهنا نقطة ينبغي أن تُعْلَم وهي: الزواج الذي أرشد إليه النبي ﷺ، كثير من الشباب يتقاعس عن الزواج، ويعرض عن الزواج، وربما شجعه بعض زملائه على ذلك، تارة بالصبر حتى تنتهي الدراسة، وتارة حتى يجد وظيفة تقوم بحاله، وتارة كذا، وتارة كذا، وهذا خطأ.
والواجب البدار بالزواج إذا تيسر ذلك ولو من طريق أبيك، أو من طريق أخيك الكبير، أو من طريق أمك، أو من أي طريق تصل بها إلى الزواج، بادر بالزواج، ولا تنتظر انتهاء الدراسة، ولا تنتظر الوظيفة، ولا تنتظر وجود بيت سكني تملكه، ولا غير هذه الأعذار، بادر للزواج، والمتزوج يعينه الله، والله يقول ﷾: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور:٣٢] فجعل النكاح من أسباب الغنى.
فعليك بالزواج والبدار إليه، ولا تؤجل إلى انتهاء الدراسة، أو إلى كذا، أو إلى كذا؛ بل إذا تيسر ذلك ولو من طريق والدك، أو من طريق أخيك، أو من طريق أمك، أو بأي طريق يحصل لك به ذلك، فلا تتأخر وبادر وسارع؛ لأن في هذا مصالح كثيرة منها: ١- غض بصرك.
٢- إحصان فرجك.
٣- تكثير النسل، وتكثير الأمة.
٤- أن الله جلَّ وعَلا سيغنيك بذلك، ويعينك بذلك على مصالح كثيرة.
ولا يخفى أيضًاَ أن الزواج فيه هدوء وسكن للنفس، وطمأنينة، فالله جعل المرأة سكنًا للزوج: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم:٢١] فالأزواج جعلهن الله سكنًا للزوج، وراحة له، وطمأنينة له، فإذا تزوج فقد استعان بشيء جعله الله له عونًا على الطمأنينة، والراحة، وسكن النفس، وراحة البال، فلا تؤخر هذا الشيء الذي جعله الله لك سكنًا وعونًا على الخير، وسببًا لحمايتك مما حرم الله ﷿.
2 / 12