8

Durūs wa-ʿibar min Ṣaḥīḥ al-qaṣaṣ al-nabawī

دروس وعبر من صحيح القصص النبوي

Publisher

مكتبة دار العلوم

Publisher Location

البحيرة (مصر)

Genres

فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ سدد خطاكم فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: «ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا»؛ فَقَالَتْ الصُّغْرَى: «لَا تَفْعَلْ، يَرْحَمُكَ الله، هُوَ ابْنُهَا»؛ فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى» (رواه البخاري ومسلم).
لَا تَفْعَلْ: لَا تَشُقّهُ.
إِنَّ دَاوُدَ ﵇ قَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى لِسَبَب اِقْتَضَى بِهِ عِنْده تَرْجِيح قَوْلهَا، إِذْ لَا بَيِّنَة لِوَاحِدَة مِنْهُمَا، فَيُحْتَمَل أَنْ يُقَال: إِنَّ الْوَلَد الْبَاقِي كَانَ فِي يَد الْكُبْرَى وَعَجَزَتْ الْأُخْرَى عَنْ إِقَامَة الْبَيِّنَة.
وَاحْتَالَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ سدد خطاكم بِحِيلَة لَطِيفَة أَظْهَرَتْ مَا فِي نَفْس الْأَمْر، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمَّا أَخْبَرَتَا سُلَيْمَان بِالْقِصَّةِ فَدَعَا بِالسِّكِّينِ لِيَشُقّهُ بَيْنهمَا، وَلَمْ يَعْزِم عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَاطِن، وَإِنَّمَا أَرَادَ اِسْتِكْشَاف الْأَمْر.
فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ لِذَلِكَ؛ لِجَزَعِ الصُّغْرَى الدَّالّ عَلَى عَظِيم الشَّفَقَة، وَلَمْ يَلْتَفِت إِلَى إِقْرَارهَا بِقَوْلِهَا هُوَ اِبْن الْكُبْرَى؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا آثَرَتْ حَيَاته، فَظَهَرَ لَهُ مِنْ قَرِينَةِ شَفَقَةِ الصُّغْرَى وَعَدَمِهَا فِي الْكُبْرَى - مَعَ مَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ الْقَرِينَة الدَّالَّة عَلَى صِدْقهَا - مَا هَجَمَ بِهِ عَلَى الْحُكْم لِلصُّغْرَى.

1 / 10