Layla Thaniya Cashara
الليلة الثانية عشرة: أو ما شئت!
Genres
ويدين شيكسبير لقصص ريتش بدين آخر يتعلق بالخدعة التي يدبرها عدد من الشخصيات للسخرية من مالفوليو في «اللية الثانية عشرة»، وهي الحيلة التي نجدها في القصة الخامسة من مجموعة ريتش القصصية المذكورة، وفيها يدبر زوج حيلة للسخرية من زوجته السليطة اللسان حتى يسخر منها الجميع. وقد يكون التشابه وليد المصادفة، ولكن احتمال التأثر قائم.
وأما الفارق بين قصة ريتش المذكورة (أبولونيوس وسيلا) وبين «الليلة الثانية عشرة» فهو الفارق حقا بين الحكاية التراثية الأوروبية المغرقة في التصوير الواقعي لدوافع السلوك المادية، كالجنس والانتماء الطبقي، وبين مسرحية عصر النهضة الشعرية التي تطلق العنان للخيال وتعلي من شأن الحب، وتؤكد التعقيدات الكثيرة للانتماء إلى أحد الجنسين، وكيف يؤثر الدور الاجتماعي للمرأة في الحياة العاطفية للمرأة والرجل على حد سواء، وهكذا فعلى الرغم من الاشتراك في الحبكة، أو في فكرة الحبكة، فإن مسرحية شيكسبير تتناول المادة تناولا شاعريا يكفل لها التسامي والعمق الإنساني الذي يربطها بالعصر الحديث. (2) النوع الأدبي
لا خلاف على أن هذه المسرحية كوميديا. والكوميديا جنس أدبي عام يضم عدة فروع تشترك جميعا في أنها تؤكد ما يسميه نورثروب فراي (
Northrop Frye ) «الاحتفال بانتصار الحياة على الأرض الخراب» (1949م)، أو ما يسميه وايلي سايفر «الاحتفال بالحياة» وحسب (1967م) (انظر كتابي «فن الكوميديا» 1980م وكتابي «من قضايا الأدب الحديث» 1994م)، بمعنى أن الكوميديا فن يركز على افتراض وجود تناغم أساسي في الحياة، وهو من ثم ينشد إبراز هذا التناغم من خلال مقارعة القوى التي تعوقه أو تعارضه أو تخفيه، وسبيله في المقارعة هو إبراز التناقضات في الإنسان وفي مواقفه وفي مجتمعه، من خلال أبنية تدفع إلى السخرية منها، أو الضحك منها، حتى ينتهي نشدان التناغم الحق بتحقيقه، وعودة الصفاء الذي يلازم كل تناغم حق. ومن وسائل إبراز التناقضات وسيلة التورية الدرامية الساخرة (
Dramatic irony ) وشتى ألوان السخرية أو المفارقة الأخرى (
varieties of irony )، ومن وسائله أيضا إبراز جو الاحتفالية (
festive feeling ) الذي يصاحب من يشعر حقا بنبض حياته، أو فرحة حياته، وعادة ما تنتهي أمثال هذه الأعمال الكوميدية بالزواج، رمز الرفاء، وبشير التكاثر؛ فالكثرة تعتبر من سمات الخير، والخير ذو جمال.
ولكن «الليلة الثانية عشرة» تضم أيضا عناصر تنتمي إلى نوع أدبي آخر هو ما أسميته الرومانس؛ ففيها الحب والمغامرات والأسفار والأخطار، والرومانس فيها يمتزج امتزاجا وثيقا بالكوميديا وفق التعريف السابق، بحيث يصعب الفصل في المسرحية بين الخط الكوميدي الصريح الذي يمثله الصاخبون اللاهون في منزل الكونتيسة، وضحيتهم أو هدف سخريتهم مالفوليو (الذي يعمل حاجبا لديها ورئيسا للخدم، ويشتط به خياله بسبب ما يبديه من التزمت الديني وحبه لذاته أو مبالغته في تقدير قيمته، فيتصور أنه يمكنه الزواج من مولاته، وهكذا يخدعه هؤلاء المعربدون الذين يستغرقون في اللهو رقصا وغناء وشرابا)، وبين قصة الحب المزدوجة التي تدور حول محور يعتبر كوميديا كذلك؛ ألا وهو تظاهر فيولا بأنها غلام حتى تظل بقرب حبيبها، والتظاهر أو التنكر من السمات التي تقترن ببعض المثالب الاجتماعية التي قد تقوم على جهل الفرد ذاته أو ادعائه ما ليس فيه، ومن ثم فهو مادة للكوميديا، وينطبق ذلك على نرجسية الدوق الذي تحبه البطلة، وتصور أوليفيا التي يحبها الدوق بأنها قد نبذت الرجال وكرهتهم، والصورة الزائفة التي يرسمها مالفوليو لنفسه، وتصوره إمكان وقوع مولاته في حبه، مثل السير أندرو الذي جاء خاطبا لها هو الآخر، وهلم جرا؛ أي إن المحور الذي يدور حوله ما يسمى ب «الحبكة الثانوية» لا ينفصل عن المحور الذي تدور حوله «الحبكة الرئيسية» أي قصة أو قصص الغرام.
ويؤدي هذا الامتزاج إلى إضفاء جو خاص على الكوميديا، بحيث يبتعد بها عن الكوميديا الهجائية (
satiric )؛ أي كوميديا السخرية الصريحة من بعض أنماط السلوك المعيبة وما تنم عنه من تناقضات أو مثالب بشرية، ويقترب بها مما يسمى الكوميديا الغنائية (
Unknown page