فوالذي جعل إبليس من المنظرين لآتين عملا تأنف الحفظة أن تكتبه علي، ولأعقدن عقدة تحل لها العزائم، فما حقد الخصيان على الفحول بأبرى للصدور من حقدي على هؤلاء الذين فازوا بنعمة المكافآت دوني.
ودخل بيت كبير الجيش وهو ظالم لنفسه، قال:
أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين .
منذ حول دعاني سلفك، وقد نما إليه أن جماعة من المصريين ممن ينطوون لكم على غير الجميل، قد قاموا بتأسيس جمعية وطنية تحت كبير من ولد إسماعيل باتت تظلله القلوب، وتحرسه الخواطر.
قاموا بتأسيسها منذ خمسة أعوام، وأخذوا في الدعوة إليها حتى اتسعت هالتها، وهالني أمرها، ثم أمرني بالغوص على أسرارها، والوقوف على أمرها، فقمت بتنفيذ مشيئته. وما زلت أخالط الضباط وأنا في لباس من الرياء والتظاهر حتى ظفرت بصديق قد آنس إلى صحبتي، وسكن إلى مودتي، فأكثرت في مسايرته ومجاملته، وسرت أطارحه حديث الوطن، وأبتهل إلى الله ودموع الخداع تتناثر على خدي، وما زلت به حتى سللت نفسه، واختلست لبه، فشفت لي سرائره، وأحطت علما بما في قرارة نفسه، وتناولت ما وراء ضميره.
فعلمت أنه فرد من أفراد تلك الجمعية، فاسترشدته فأرشدني، وما كاد يستقر في نفسي هذا العلم حتى عدوت لا ألوي على شيء ، فطرقت بابها، وساعدني الجد، فغشى الله أبصارهم، وطمس بصائرهم، فأفسحوا لي بينهم مكانا، وأقسمت لهم يمينا، وما زلت بهم حتى استفرغت أسرارهم، واستبطنت أمورهم، ووقفت على ورقة التراسل بينهم. وما هي إلا أن سقطت في يدي، حتى تمنيت لو مسخني الله طائرا، فطرت لساعتي ووقعت في حجر ذلك الكبير. ولما أقبل الليل في لون صحيفتي، رغت روغة فإذا أنا أمامه، فرفعت إليه كل ما وصلت يدي إليه من أخبارهم، فسر حتى عجز عن مداراة سروره.
وحال الحول ولم أعلم شيئا عن أحوالها، وكأنه طوى كشحا عنها، وتثاقلت أنا الآخر عن تعهدها، حتى وقعت حادثة الذخيرة، فقلت في نفسي: ما لهذه الحادثة بد من سبب، فأطلت البحث، فما زال يقتادني حتى وقف بي على باب تلك الجمعية، وأكبر ظني اليوم أنها أم لتلك الحوادث، فصحت عزيمتي على لقائك وإطلاعك على باطن الأمر حتى تحتاط له، ولا زلت صاحب النظر الأعلى في الأمور.
وخرج من عنده وما أدري كيف لم تغربه الأرض ولم ترجمه السماء، ولولا أنني أعلم ما أعد الله له في لوحة البشر من آجل العقاب، لعجبت من حلم الله، فسبحان من وسع حلمه كل شيء! فلقد أجل عقاب هذا الأثيم إلى يوم لا تنفعه فيه شفاعة العميد، ولا تغني عنه أساطيل القوم شيئا؛ يوم يسبح معهم في بحر من العرق كما يسبح اليوم في بحر من الغرور.
قال الراوي: ثم أمسك عن الكلام، فقال صاحبي: حسبك ما ذكرت من أمر القوم، فإني أراك تهم بذكر ما ينبغي أن يدرج في أثناء النسيان، فإن كنت لا تزال تعاظم الناس بمصيبتك، فهؤلاء أهل دنشواي قد نسخ ما نزل بهم من العذاب كل ما سلف من أعمال القوم منذ حرقوا (جان دارك) إلى يوم أصلوا أهل الأزهر النار، وألقوا بمقاليد الأمر إلى هذا المستشار. فما تلك بيمينك أيها الموتور؟
قال: صحيفة المؤيد. ولقد أبرد غليلي ما كتب صاحبها اليوم من تلك الحادثة النكيرة:
Unknown page