قلت: «وما هو هذا الميدان؟»
قال: «هو ميدان الحياة الإنسانية! إن ما يعرض لك من المسائل الأرضية لا يحصى ولا يحصر، فاصرف قوتك في حلها، وافعل من الخير ما استطعت، والتمس العمل فإنه درع تتقي به نصال الحياة.»
قلت: «وما غاية العمل على الأرض؟ ألم تقل إننا جئنا إليها وسنذهب عنها اعتباطا؟»
قال: «قد يكون ذلك، ولكن ألم تجدوا أنفسكم على هذا الكوكب؟ وإن لوجودكم غاية إن لم تقصدها القوى التي أوجدتكم فاخلقوها بأنفسكم، ألا تذكر كلمة الفيلسوف العتيق الهازئ من الحياة والوجود التارك في صحيفة الدهر بسمة أزلية أبلغ من كل قول قديم وجديد فولتير القائل: «إذا لم يكن لكم أرباب فاخلقوها»؟ كذلك إذا لم يكن لكم مثل أعلى فاسعوا في إيجاده.»
قلت: «وأي مثل أعلى بعد ما ذكرت؟»
قال: «المثل الأعلى هو البحث عن الحقيقة.»
قلت: «وما هي الحقيقة؟»
قال: «تسألني عن الحقيقة، وما أسهل السؤال وأصعب الجواب! وهل لو عرفتها بقيت حائرا؟! ولو كانت على أطراف الألسنة تنقل من فم إلى فم ما كان للحياة والجهاد والألم معنى، فهي اللغز الذي يسعى الكل في حله، فمعظم الناس انصرفوا عن الغرض الأكبر، وألهتهم أغراض صغرى، وقليلون منهم يضربون في مهامه الحيرة.»
قلت: «رأيتك في بعض أناشيدك تقول: رأيت الحقيقة ووقفت على سر الوجود.»
قال الروح: «هي أمان عذبة كنت أمني النفس بها، ولا يكون المرء أبعد عن الحقيقة منه يوم يتوهم معرفة كنهها.»
Unknown page