احتفل بالزفاف في حجرة أم السعد .. شهدته الأسرتان، ودعي إليه عبد الله الحمال فسوغ حضوره بهدية من العنبر والبخور قدمها للعروسين، وبما بذله في النهار من كنس الفناء .. جاد بالهمة التي جاد بها ساعة تصدى لقتل بطيشة مرجان .. ثمل بعبق الأسرة الحار الذي نفث في جوارحه سكرة باقية .. جاش صدره بالأبوة والزوجية والحب خاشعا في الوقت نفسه تحت هيمنة التقوى وحب الله الرحيم .. استرد ثراء وجدان قديم ونعم بالقرب، دافنا سره في بئر مترع بالأسى.
وتطوعت حسنية لإحياء زفاف شقيقها معتمدة على إجادتها في الشعر والغناء والصوت الحسن، وعلى إيقاع الأكف أنشدت بصوت عذب:
يترجم طرفي عن لساني لتعلموا
ويبدي لكم ما كان صدري يكتم
ولما التقينا والدموع سواجم
خرست وطرفي بالهوى يتكلم
فطربوا جميعا، وطرب عبد الله حتى فاض قلبه بالدمع .. وقام ليلقي في المدفأة حطبا فسمع على باب الحجرة طرقا .. مضى ليفتح، فطالعه في الظلام البارد ثلاثة أشباح .. قال أحدهم: نحن تجار أغراب، سمعنا غناء جميلا فقلنا إن الكرام لا يصدون الغريب.
أشار فاضل إلى النساء فتوارين وراء ستارة تشطر الحجرة، ومضى نحو الأغراب قائلا: ادخلوا بسلام .. ما هو إلا زفاف قاصر على أهله البسطاء.
فقال الرجل الغريب: ما نريد إلا الأنس بالناس الطيبين.
وقال أحد الآخرين: عندكم دفء جميل.
Unknown page