بين دروس الدين يلقيها الشيخ على علاء الدين، تفيض كأسه بنثار الكلم المضيئة كأنما يناجي بها ذاته، ولكن الفتى يتلقاها مبهورا. - كل من عليها فان إلا وجهه، ومن يفرح بالفاني فسوف ينتابه الحزن عندما يزول عنه ما يفرحه، كل شيء عبث سوى عبادته، الحزن والوحشة في العالم كله ناجم عن النظر إلى كل ما سوى الله.
وتذكر علاء الدين أحلامه وأحاديثه وأفعاله، فتبدت له الدنيا غشاء من الألغاز، وتذكر أباه وأمه فهيمن عليه الأسى. - من رزق ثلاثة أشياء مع ثلاثة أشياء فقد نجا من الآفات؛ بطن خال على قلب قانع، وفقر دائم مع زهد حاضر، وصبر كامل مع ذكر دائم.
وقال علاء الدين لنفسه: إننا نصلي للرحمن الرحيم باسم الرحمن الرحيم .. وإذا بالشيخ يسأله: فيم تفكر يا بني؟
فخرج من غفوته مورد الخدين، وقال: لن يخرجني من حيرتي إلا لطف الرحمن. - عليك قبل أن تتلقى الخمر أن تطهر الوعاء وتنقيه من الشوائب.
فقال برجاء: نعم المرشد أنت! - ولكن «الآخر» يقحم نفسه علينا وهو غائب!
فأدرك أنه يشير إلى فاضل صنعان، فتساءل: كيف تراه يا مولاي؟ - شاب نبيل عرف ما يناسبه وقنع به. - أهو على ضلال؟ - إنه يجاهد الضلال على قدر همته!
فقال علاء الدين بسرور: الآن اطمأن قلبي. - ولكن عليك أن تعرف نفسك. - إنه فقير ولكنه غني بحمل هموم البشر. - مذهب للسيف ومذهب للحب.
فصمت علاء الدين، فقال الشيخ: طوبى لمن تم له تحويل القلب من الأشياء إلى رب الأشياء، ليس يخطر الكون ببالي، وكيف يخطر الكون ببال من عرف الكون؟
واصل الشيخ بعد ذلك درسه.
13
Unknown page