Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Publisher
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Publication Year
1315 هـ
الحجاج في منامه قائلا يقول: مات الليلة في حبسك رجال من أهل الجنة، فقال: انظروا من مات فوجدوه إبراهيم، فقال: حلم من نزعات الشيطان فمر به، فألقى على المزبلة.
وكان يقول: كفى من العلم الخشية، وكفى من الجهل أن يعجب الرجل بعمله، وكان يقول: حملتنا المطامع على أسوأ الصنائع.
وقيل له: لو تكلمت على الناس عسى أن تؤجر، فقال رضي الله عنه: أما يرضى المتكلم أن ينجو كفافا. وقال الأعمش رضي الله عنه: قلت لإبراهيم التيمي رضي الله عنه: بلغني أنك تمكث شهرا لا تأكل شيئا، فقال: نعم وشهرين، وما أكلت منذ أربعين ليلة إلا حبة عنب ناولنيها أهلي فأكلتها، ثم لفظتها في الحال، وكان يقول: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى، فاغسل يديك منه، رضي الله عنه.
ومنهم إبراهيم بن يزيد النخعي
رضي الله عنه
كان رضي الله عنه يقول: أدركنا الناس وهم يكرهون إذا اجتمعوا أن يحدث الرجل بأحسن ما عنده، وكان يقول لا بأس أن يقول المريض إذا سئل كيف تجدك: بخير، ثم يشكو ما به، وكان يقول ما أوتي عبد بعد الإيمان أفضل من الصبر على الأذى، وكان رضي الله عنه يخفي أعماله ويتوقى الشهرة حتى إنه كان لا يجلس قط إلى أسطوانة، وكان يقول: أدركنا الناس وهم يهابون أن يفسروا القرآن والآن قد صار كل من أراد أن يفسره جلس إليه، وكان رضي الله عنه يقول: وددت أني لم كن تكلمت بعلم وإن زمانا صرت فيه فقيها لزمان سوء، وكان رضي الله عنه يقول: لا بأس أن تسلم على النصراني إذا كانت لك إليه حاجة أو بينكما معروف.
قلت: والمراد بالسلام والله أعلم أن يقول للنصراني كيف حالك مثلا لا قوله السلام عليك لأنه لا يسلم إلا على من اتبع الهدى، ويحتمل أن يكون ذلك من باب إذا تعارض مفسدتان ارتكبنا الأخف منهما أو مصلحتان فعلنا أدونهما عند تعفر أعلاهما والله أعلم، وكان يقول: إن الرجل يتكلم بالكلمة من العلم ليصرف بها وجوه الناس إليه، يهوي بها في جهنم فكيف بمن كان ذلك نيته منا أول جلوسه إلى أن فرغ، وكان إذا استأجر دابة ليركبها إلى موضع فوقع سوطه يمينا أو شمالا ينزل عنها ويأخذها ولا يعرج بها ويقول إنما استأجرتها لأذهب بها هكذا لا هكذا، وكان رضي الله عنه يقول كفى بالمرء إثما أن يشار عليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من حفظه الله تعالى، وكان يلبس الثوب المصبوغ بالزعفران أو العصفر، حتى لا يدري من رآه أهو من القراء أو الفتيان. توفي سنة خمس وتسعين رضي الله تعالى عنه.
ومنهم عون بن عبد الله بن عتبة
رضي الله تعالى عنه
كان يقول إن لكل رجل سيدا من عمله وإن سيد عملي ذكر الله تعالى، وكان يقول كفى بك كبرا أن ترى لك فضلا على من دونك، وكان يقول الكبر أول ذنب عصى الله تعالى به وخرج أصحابه يوما إلى البرية، فرأوه نائما في الحر والغمامة تظله فلما انتبه أخذ عليهم أن لا يخبروا بذلك أحدا حتى يموت، وكان يقول طريق الخلاص لمن يرى من الناس منكرا فلا يقدر على تغييره أن يعتزل عنهم، وهو أهون من الفرار من أرضهم، وكان رضي الله عنه يقول مجالس الذكر صقال للقلوب وشفاء لها.
وكان يلبس أحيانا الخز وأحيانا الصوف فقيل له في ذلك فقال: أليس الخز لئلا يستحي ذو الهيئة أن يجلس إلي وألبس الصوف لئلا تهابني المساكين أن يجلسوا إلي، وكان يقول من كان يتهم نفسه بالنفاق فليس عنده نفاق، وكان إذا خالفه عبده أو غلامه يقول ما أشبهك بمولاك مع مولاه، وكان رضي الله عنه يقول: من تمام التقوى أن لا يشبع العبد من زيادة العلم، وإنما ترك قوم طلب الزيادة من العلم لقلة انتفاعهم بما قد علموا، وكان يقول: لو رأيت الأجل ومسيره لأبغضت الأمل وغروره، وكان يقول: من ضبط بطنه فقد ضبط: الأعمال الصالحة كلها، رضي الله تعالى عنه.
ومنهم سعيد بن جبير
رضي الله تعالى عنه
كان رضي الله عنه يبكي حتى عمشت عيناه وكان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في رمضان وكان يختم القرآن في كل ركعة في جوف الكعبة وكان يقول: كل موجبة كبيرة وكان يقول: إني لأرى الرجل على المعصية فأستحي أن أنهاه لحقارة نفسي.
وكان له ديك يقوم على صياحه فلم يصح ليلة فنام سعيد عن ورده فدعا على الديك فمات لوقته فعزم ألا يدعو على شيء بعدها، وكان يقول: علامة الإجابة حلاوة الدعاء، ولما أخذه الحجاج قال: ما أراني إلا مقتولا ودخلت عليه ابنته فرأت القيد في رجليه فبكت فلما دعي ليقتل صاحت وقالت: ويلاه
Page 36