203

Al-Ṭabaqāt al-kubrā al-musammā bi-lawāqiḥ al-anwār fī Ṭabaqāt al-akhyār

الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار

Publisher

مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر

Publication Year

1315 هـ

فافهم، وكان يقول: سمعت روح القدس يقول: في مجلس، وعظ العقول اعلموا أيها الأحلام الراضعة من ثدي الإلهام، المحرم عليها مراضع الأوهام أن كثرة المجالسة تولد في الفطرة صورة المجانسة فإياكم، ومجالسة الطباع إلا لضرورة حسن أحكمتها يد الأوضاع فإن، وقد أحد منكم في حماها حتى ولدت فيه قوة من قواها فليسلك سبيل خلاصه راكبا نجيب إخلاصه مستدلا على خضرة اختصاصه بمن حمل في ثمر الطباع على عرش تابوته حتى دخل إلى مدينة ناسوته على حين استغراق ملكوته في حضرات لاهوته " ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها " " القصص: 15 " وقد وجد المشاعل والحراس حولها ليكشف بالنور المجرد جواسيس خالطت رعيته في شكلها فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما كريم طبعه الغريزي في طبيعة الموصل فيه من مكارم صفات سمات أصوله الكرام، وشيعته مصادر حقيقته، وموارد شريعته، والثاني صورة العوائد المتولدة من عدوه، وعدو الرحمن عشاق الرياسة، والعلو في الأكوان الملتقطين لصورة حسه الحائلين بينه وبين أبناء جنسه " فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه " " القصص: 15 "، وقد أعياه قتاله في رواحه فأغاثه القوي بملك نفسه الأمين على مشاهدة قدسه فوكز العدو بقدم صدقه فقضى على الفوائد التي أنكرتها محاسن عمل الشيطان " إنه عدو مضل مبين - فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " ربي إن ظلمت نفسي بتأخير تفقد أحوالها إلى الآن فاغفر لي ظلم الطباع بنور حقك العظيم فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على من التأييد بروحك القوي الأمين فلن أكون ظهيرا للمجرمين فلما انجلت عن حواسه غياهب التكوين أصبح في المدينة خائفا عوائل الدسائس، والبقايا يترقب ما في زوايا الحظوظ من الخبايا فإذا الذي استنصره بالأمر على العادة يستصرخه على الشهوة التي هي عدو الإرادة فلما حدق في هذا العدو يبصر اليقين قال له القوي إنك لغوي مبين فلما أن أراد أن يبطش به كما بطش بالأول يا ليته أمضى عزمه وتوكل وفعل ما كان عليه عول، ولكن الله أحكم وأعدل قال له إني جعلت في المدينة لبقاء النسل وحفظ صور التمكين أتريد أن تقتلني وتهلك أهل المدينة أجمعين كما قتلت نفسا بالأمر كانت تداري وتصانع عن المستضعفين إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض، وما تريد أن تكون من المحصلحين فأمسك القوي هنالك عن قتله حتى بلغ دمه إلى مجمع البحرين محله، ولو قتله يومئذ لقضى الأجلين، ووطئ القرنين، وداس بالنعلين، وخوطب من الجانبين ولم يسأل الرؤية المحدودة بإلى قبل تجريد العين من الأين، ولم تنقسم بعثته بين اثنين، ولم يستصحب الفتى بمجمع البحرين.

ولم يسأل الاطلاع في الحضرتين، ولم يقل له " لن " مرتين، ولم يتأخر إلى حين قتل القرين مقارفة البين، ولكن حفظ كنز اليتيمين اقتضى تأخير ذلك كله ولما أعرض القوي الأمين عن قتل هذا القرين جاءه النور الإلهي من أول المصادر يسعى شوارع الآفاق، ويقول له إن الملأ القوي البشرية يأتمرون بك ليقتلوك بالتغلب على صورتك البشرية فاخرج من مدينة التكوين إلى مدائن التمكين إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا من جذب العلائق يترقب به رق طلائع الحقائق قال بلسان صدق المراقبة عند رؤية قواطع الواصلين رب نجني من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين جعل قبلة أمامه منزل الدليل، وقال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل، وما زال يقطع حزونا ويسلك هو ولا يرتقي عقبة، ويهبط مسيلا وصدق الطلب يسهل عليه كل المشاق، وفرط الأدب يحلى له المر المذاق إلى أن قطع حدود مصر الشهوات، ووصل إلى مدين الرعاية، والخلوات ولما ورد ماء مدين الذوق، وقد أفرطت به حرارة الوجد، وجذوة الشوق وجد عليه أمة من الناس يسقون أفهامهم من ينابيع الحكمة، ووجد من دونهم الفكرة، والهمة ملتحفتين بالتحبير والرحمة قد أرسلهما الساقي لحفظ رعيته السائمة في سمات جمعيته.

فلما رآها عند حياض السماع يذودان قوابل خواص الأتباع إلى فضاء كشف القناع قالتا لا نسقي من مورد الفرق هذه الرعية حتى يصدر رعاء الأوقات، والأنفاس عين منهل المعية، وأبونا شيخ بمسالك الأزل، والأبد كبير قد ماتت شهوته، وتمت قوته فلما سمع أوصاف مرشد السالكين ورأى حسن رعايته لخواص التابعين تلهف لارتقاء أرفع المعارج وتلطف في الوصول إلى

Page 33