221

Lawāmiʿ al-Anwār al-Bahiyya wa-Sawāṭiʿ al-Asrār al-Athariyya li-sharḥ al-Durra al-Muḍiyya fī ʿaqd al-Firqa al-Marḍiyya

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Publisher

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Edition Number

الثانية

Publication Year

1402 AH

Publisher Location

دمشق

إِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَمِمَّا يُثْبِتُهُ لَهُ تَعَالَى السَّلَفُ دُونَ غَيْرِهِمْ - صِفَةُ الرَّحْمَةِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ «مِنْ رَحْمَةٍ» وَهِيَ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْتَضِي التَّفَضُّلَ وَالْإِنْعَامَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ الْأَصْفَهَانِيَّةِ: الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ، فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالسَّمْعِ مَعَ الْعَقْلِ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، كَمَا قَالَ: (﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥])، (﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢])، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]، وَقَدْ عُلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّ الْمِثْلَيْنِ يَجُوزُ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ، وَيَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُ، وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ الْمَخْلُوقُ مَثَلًا لِلْخَالِقِ لَلَزِمَ اشْتِرَاكُهُمَا فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ، وَالْخَالِقُ يَجِبُ وُجُودُهُ وَقِدَمُهُ، وَالْمَخْلُوقُ يَسْتَحِيلُ وُجُوبُ وُجُودِهِ وَقِدَمُهُ، بَلْ يَجِبُ حُدُوثُهُ وَإِمْكَانُهُ، فَلَوْ كَانَا مُتَمَاثِلَيْنِ لَلَزِمَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي ذَلِكَ، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.
قَالَ: إِذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى نَفْسَهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالرَّحْمَةِ، كَمَا قَالَ: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر: ٧]، ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] .
قَالَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ رَحْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عِبَارَةً عَمَّا يَخْلُقُهُ مِنَ النِّعْمَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ رَحْمَتَهُ إِرَادَتَهُ لِأَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الرَّحْمَةَ لُغَةً رِقَّةُ الْقَلْبِ وَانْعِطَافِهِ، وَذَلِكَ مِنَ الْكَيْفِيَّاتِ التَّابِعَةِ لِلْمِزَاجِ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْهَا، فَالْمُرَادُ بِهَا فِي حَقِّهِ إِرَادَةُ الْخَيْرِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى مَنْ يَرْحَمُهُ، فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَاتِ الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ، دُونَ الْمَبَادِئِ الَّتِي هِيَ انْفِعَالَاتٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ الْكَلَامُ عَلَى الرَّحْمَةِ بِمَا لَعَلَّهُ يَشْفِي وَيَكْفِي.
[صفات المحبة والرضا والغضب]
قَوْلُهُ «وَنَحْوِهَا» أَيْ نَحْوِ الرَّحْمَةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ تَعَالَى وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى " ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤]- ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: ٣٩]- ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥]- وَ: ﴿يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ٧٦]- وَ: ﴿يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٦]- وَ: ﴿يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا﴾ [الصف: ٤] ".
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ نَفَى أَنْ تَكُونَ لَهُ صِفَةُ مَحَبَّةٍ أَوْ رِضًا أَوْ غَضَبٍ غَيْرَ الْإِرَادَةِ، قَالَ عُلَمَاءُ الْخَلَفِ الْمَحَبَّةُ مَيْلُ الْقَلْبِ إِلَى مَا يُلَائِمُ الطَّبْعَ وَاللَّهُ

1 / 221