Lawāmiʿ al-Anwār al-Bahiyya wa-Sawāṭiʿ al-Asrār al-Athariyya li-sharḥ al-Durra al-Muḍiyya fī ʿaqd al-Firqa al-Marḍiyya
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Publisher
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Edition Number
الثانية
Publication Year
1402 AH
Publisher Location
دمشق
Genres
Creeds and Sects
عَلِمَ، فَمَا عَلِمَ مِنْهَا أَنَّهُ يَكُونُ أَرَادَهُ، وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَمْ يُرِدْهُ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الْإِرَادَةُ تَابِعَةٌ لِلْأَمْرِ لَا لِلْعِلْمِ فَلَا يُرِيدُ عِنْدَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرَ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ أَمْ لَا. فَعِنْدَنَا إِيمَانُ أَبِي جَهْلٍ مَأْمُورٌ بِهِ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ تَعَالَى لِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ عَدَمَ وُقُوعِهِ، وَكُفْرُ أَبِي لَهَبٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهُوَ وَاقِعٌ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ إِيمَانُهُ مُرَادٌ لَهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَكُفْرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ لِنَهْيِهِ عَنْهُ.
" الثَّانِي " قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى حُسْنِ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى: " وَكَذَلِكَ تَنَازُعُهُمْ فِي الْعَبْدِ هَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى خِلَافِ الْمَعْلُومِ؟ قَالَ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْقُدْرَةِ الْقُدْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَالِاسْتِطَاعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] .
فَكُلُّ مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ وَنَهَاهُ فَهُوَ مُسْتَطِيعٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُطِيعُهُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْقُدْرَةِ الْقُدْرَةُ الَّتِي لَا تَكُونُ إِلَّا مُقَارِنَةً لِلْمَفْعُولِ، فَمَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ الْفِعْلَ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْقُدْرَةُ ثَابِتَةً لَهُ.
قَالَ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَنَازُعُ النَّاسِ فِي الْأَمْرِ وَالْإِرَادَةِ، هَلِ اللَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُ، أَوْ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا يُرِيدُ؟ قَالَ: فَإِنَّ الْإِرَادَةَ لَفْظٌ فِيهِ إِجْمَالٌ يُرَادُ بِالْإِرَادَةِ الْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ الشَّامِلَةُ لِجَمِيعِ الْحَوَادِثِ، كَقَوْلِ الْمُسْلِمِينَ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] وَقَوْلِ نُوحٍ ﵇: ﴿وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ [هود: ٣٤] ".
فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ الْعِبَادَ بِمَا لَا يُرِيدُهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ وَالْمَعْنَى كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: ١٣] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُؤْتِ كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ كُلَّ نَفْسٍ بِهُدَاهَا.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَأَمَّا الْإِرَادَةُ الدِّينِيَّةُ فَهِيَ بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَى فَهِيَ مُلَازِمَةٌ لِلْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] وَكَقَوْلِ (بَعْضِ - ١) الْمُسْلِمِينَ هَذَا يَفْعَلُ شَيْئًا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ إِذَا كَانَ يَفْعَلُ بَعْضَ الْفَوَاحِشِ أَيِ اللَّهُ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ بَلْ يَنْهَى عَنْهُ وَيَكْرَهُهُ. ثُمَّ
1 / 156