153

Lawāmiʿ al-Anwār al-Bahiyya wa-Sawāṭiʿ al-Asrār al-Athariyya li-sharḥ al-Durra al-Muḍiyya fī ʿaqd al-Firqa al-Marḍiyya

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Publisher

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Edition Number

الثانية

Publication Year

1402 AH

Publisher Location

دمشق

[متعلقات الصفات الثبوتية]
[متعلق القدرة]
«تَعَلَّقَتْ» قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْأَزَلِيَّةُ الْقَدِيمَةُ الذَّاتِيَّةُ «بِ» كُلِّ «مُمْكِنٍ» وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُمْكِنَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ وَلَا مُسْتَحِيلِ الْوُقُوعِ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ وَلَنْ يُوجَدَ شَيْءٌ إِلَّا بِهَا، وَقَدْ نَصَّ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ ﵁ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ قَدِيمَةٍ، وَقُوَّةٍ شَدِيدَةٍ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ الْأَصْفَهَانِيَّةِ: الْمُمْتَنِعُ لِذَاتِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الْخَارِجِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وُجُودٌ أَوْ ثُبُوتٌ عِنْدَ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالثُّبُوتِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَأَحَدِ الضِّدَّيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَأَمَّا وُجُودُهُمَا مَعًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ هُوَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ، وَكَذَلِكَ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ لَوَازِمِهِ الَّتِي يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ بِدُونِهَا هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ كَوُجُودِ الْوَلَدِ قَبْلَ وَالِدِهِ مَعَ كَوْنِهِ قَدْ وُلِدَ وَوُجُودِ الصِّفَاتِ بِدُونِ ذَاتٍ تَقُومُ بِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ: وَمَنْ فَهِمَ هَذَا الْأَمْرَ انْحَلَّتْ عَنْهُ الْإِشْكَالَاتُ الَّتِي تُورَدُ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فِي مَسَائِلِ الْقُدْرَةِ وَغَيْرِهَا، وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ فِيهِ الْأُمُورَ الْإِلَهِيَّةَ وَالْمَطَالِبَ الْعَلِيَّةَ أَحْسَنَ بَيَانٍ وَأَكْمَلَهُ حَيْثُ يُبَيِّنُ قُدْرَتَهُ عَلَى أَشْيَاءَ لَمْ يَفْعَلْهَا كَقَوْلِهِ ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا - وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا﴾ [البقرة: ١٣ - ٢٥٣] وَنَحْوِ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَفْعَلْ مَقْدُورَهُ وَتَبَيَّنَ أَنَّ خِلَافَ الْمَعْلُومِ مَقْدُورٌ مُمْكِنٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَا يَكُونُ، لِعَدَمِ مَشِيئَةٍ لَهُ وَهُوَ لَا يَشَاؤُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَوَاتِ حِكْمَتِهِ الَّتِي يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهَا مَعَ وُجُودِ هَذَا الْمَفْرُوضِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفُهِمَ مِنَ النَّظْمِ أَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحِيلٍ فَلَيْسَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا، وَلَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ تَعَلَّقَتْ بِهِمَا لَزِمَ انْقِلَابُهُمَا جَائِزَيْنِ وَلَزِمَ صِحَّةُ تَعَلُّقِهَا بِإِعْدَامِ مَحَلِّهَا، قَالَ بَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ: وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَالُ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى إِجْمَالًا مِثْلَ ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان: ٢٨٤ - ٢] وَتَفْصِيلًا مِثْلَ ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ - وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ - خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ [الملك: ٤٤ - ٢]
تَنْبِيهَانِ
" الْأَوَّلُ " صَحَّحَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّ لِلْقُدْرَةِ الْأَزَلِيَّةِ تَعَلُّقَيْنِ صُلُوحِيًّا وَهُوَ التَّعَلُّقُ الْأَزَلِيُّ بِمَعْنَى أَنَّهُ فِي الْأَزَلِ صَالِحَةٌ لِلْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ

1 / 153