Lawamic Anwar
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Publisher
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Edition Number
الثانية
Publication Year
1402 AH
Publisher Location
دمشق
Genres
Creeds and Sects
وَكَذَلِكَ الرِّضَا وَالْغَضَبُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ الْعَظِيمُ وَالنَّبِيُّ الْكَرِيمُ، فَسَلَفُ الْأُمَّةِ وَعُلَمَاءُ الْأَئِمَّةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيُثْبِتُونَهُ لِلَّهِ - تَعَالَى - بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ - تَعَالَى - مَعَ اعْتِقَادِهِمُ التَّنْزِيهَ وَالتَّقْدِيسَ، عَنِ التَّشْبِيهِ وَالتَّنْقِيصِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ رَحْمَةَ اللَّهِ وَحُبَّهُ - تَعَالَى - عِبَارَةً عَمَّا يَخْلُقُهُ مِنَ النِّعْمَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ إِثْبَاتَ هَذَا تَشْبِيهٌ ; لِأَنَّ الرَّحْمَةَ رِقَّةٌ تَلْحَقُ الْمَخْلُوقَ، وَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْ مِثْلِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، (فَالْجَوَابُ) إِنَّ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنَّ الْإِرَادَةَ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ مَيْلُهُ إِلَى مَا يَنْفَعُهُ، وَدَفْعُ مَا يَضُرُّهُ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى عِبَادِهِ، وَهُمْ لَا يَبْلُغُونَ ضَرَّهُ وَلَا نَفْعَهُ، بَلْ هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ.
فَإِنْ قِيلَ: الْإِرَادَةُ الَّتِي نُثْبِتُهَا لِلَّهِ لَيْسَتْ مِثْلَ إِرَادَةِ الْمَخْلُوقِينَ، كَمَا أَنَّا قَدِ اتَّفَقْنَا وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ - تَعَالَى - حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ سَائِرِ الْأَحْيَاءِ الْعُلَمَاءِ الْقَادِرِينَ، (فَالْجَوَابُ) أَنَّا نَقُولُ: وَكَذَلِكَ الرَّحْمَةُ وَالْمَحَبَّةُ الَّتِي نُثْبِتُهَا لِلَّهِ - تَعَالَى - لَيْسَتْ مِثْلَ رَحْمَةِ الْمَخْلُوقِ وَمَحَبَّةِ الْمَخْلُوقِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا نَعْقِلُ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ إِلَّا هَذَا. قَالَ لَكَ نُفَاةِ الصِّفَاتِ: وَنَحْنُ لَا نَعْقِلُ مِنَ الْإِرَادَةِ إِلَّا هَذَا. وَقُلْنَا نَحْنُ - مَعْشَرَ أَهْلِ الْأَثَرِ -: لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ فَهِيمٍ، وَلَا مُؤْمِنٍ سَلِيمٍ أَنَّ إِرَادَتَنَا وَمَحَبَّتَنَا، وَرَحْمَتَنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا، وَإِرَادَتَهُ - تَعَالَى - وَمَحَبَّتَهُ، وَرَحْمَتَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، فَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ لَا تُشْبِهُ ذَوَاتِنَا، وَحَيَاتَهُ لَا تُشْبِهُ حَيَاتَنَا، فَرَحْمَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَرِضَاهُ وَغَضَبُهُ كَذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، فَكَيْفَ تُثْبِتُ لَهُ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ، وَتَنْفِي عَنْهُ الْأُخْرَى مَعَ وُرُودِ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ؟ وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ، وَلَا فِي السَّمْعِ مَا يُوجِبُ التَّفْرِيقَ، إِذْ غَايَةُ مَا يُقَالُ: إِنَّا نُثْبِتُ الْإِرَادَةَ بِالْعَقْلِ ; لِأَنَّ وُجُودَ التَّخْصِيصِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ دَلَّ عَلَى الْإِرَادَةِ، فَيُقَالُ: أَوَّلًا انْتِفَاءُ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْمَدْلُولِ، فَهَبْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الدَّلِيلِ لَا يَثْبُتُ فِي الرَّحْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ، فَمِنْ أَيْنَ نَفَيْتُمْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ السَّمْعَ أَثْبَتَ ذَلِكَ؟ وَيُقَالُ ثَانِيًا فِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ بِالطَّرِيقِ الْعَقْلِيِّ نَظِيرَ الَّذِي أَثْبَتُّمْ بِهِ الْإِرَادَةَ: مَا فِي الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ وُجُودِ الْمَنَافِعِ لِلْمُحْتَاجِينَ، وَكَشْفِ الضُّرِّ عَنِ الْمَضْرُورِينَ،
1 / 100