228

باب مدح الفراق

قال بعض الحكماء: في الفراق مصافحة التسليم ورجاء الأوبة، والسلامة من السآمة وعمارة القلب بالشوق والأنس بالمكاتبة.

قال أبو تمام:

وليست فرحة الأوبات إلا

بموقوف على ترح الوداع

وكتب بعض الكتاب: جزى الله الفراق خيرا، فما هو إلا زفرة وعبرة ثم اعتصام وتوكل ثم تأميل وتوقع، وقبح الله التلاقي، فإنما هو مسرة لحظة ومساءة أيام، وابتهاج ساعة واكتئاب زمان. وقال:

إني لأكره الاجتماع ولا أكره الفراق، لأن مع الفراق غمة يخفيها توقع إسعاف بتأميل الأوبة والرجعى. ومع الاجتماع محاذرة الفراق وقصر السرور: قال الشاعر:

ليس عندي سخط النوى بعظيم

فيه غم وفيه كشف غموم

من يكن يكره الفراق فإني

اشتهيه للذة التسليم

إن فيه اعتناقه لوداع

وانتظار اعتناق لقدوم

وقال بعض الظرفاء من الكتاب: إن قلت: إني لم أجد للرحيل ألما وللبين حرقة، لقلت: حقا، لأني نلت به العناق وأنس اللقاء ما

Page 233