تُنْشَرُ فيه الحِكْمةُ، وتُرْجَى فيه الرحمةُ؛ مجالِسُ الذِّكر (^١).
وشكا رجلٌ إلى الحَسَنِ قساوةَ قلبِهِ (^٢) فقال: ادْنُهُ مِنَ الذكْرِ. وقال: مجالسُ (^٣) الذِّكْرِ مَحْيَاةُ العِلْمِ، وتُحدِثُ في القلب الخُشوعَ. القلوبُ الميّتةُ تحيا بالذِكْرِ، كما تحيا الأرضُ الميتةُ بالقَطْرِ.
بِذِكْرِ اللهِ تَرْتَاحُ القُلُوبُ … ودُنْيَانَا بِذِكْراهُ تَطِيبُ
وأمّا الزهدُ في الدُنيا والرَّغْبَةُ في الآخرة، فبما يحصُلُ في مجالسِ الذِّكْرِ من ذكرِ عُيوب الدُّنيا وذمِّها، والتَّزهيدِ فيها، وذكر فضلِ الجنَّةِ ومدحِها، والترغيبِ فيها، وذِكْرِ النَّارِ وأهوالِهَا، والترهيبِ منها.
وفي مجالسِ الذِّكْرِ تنزِلُ (^٤) الرَّحمة، وتغشَى السَّكينةُ، وتحُفُّ الملائكةُ، ويذكُرُ الله أهلَها فيمن عندَه (^٥). وهمُ القومُ لا يشقَى بهم جليسُهم، فربَّما رُحِمَ معهم من جَلسَ إليهم وإن كان مذنبًا، وربَّما بَكى فيهم باكٍ مِن خَشيةِ اللهِ فوُهِبَ أهلُ المجلسِ كلُّهم له. وهي رياض الجنة، قال النَّبيُّ ﷺ: "إذا مررْتُم برياضِ الجنّةِ فارْتَعُوا" قالوا: وما رياضُ الجنّةِ؟ قال: "مجالسُ الذِّكْرِ" (^٦). فإذا انقضى مجلسُ الذكر، (^٧) فأهلُه بعد ذلك على أَقسام:
_________
= محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة". وهو حديث صحيح. وانظر "جامع العلوم والحكم" للمؤلف ص ٢٤٣ - ٢٥٤.
(^١) قوله: "مجالس الذكر" لم يرد في (ش).
(^٢) في ب: "قساوة في قلبه".
(^٣) في ب، ط: "مجلس".
(^٤) في ع: "تتنزل".
(^٥) في هامش نسختي (ع، ب) زيادة، هذا نصها: "وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ﵄، أنهما شهدا على رسول الله ﷺ أنّه قال: لا يقعد قوم يذكرون الله إلّا حفَّتْهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده". وهذا اللفظ الذي ورد في هامش نسختي (ب، ع) هو عند أحمد في "المسند" ٣/ ٩٢. وأما ما ألمح إليه المؤلف في متن الكتاب فهو اقتباس من جزء من حديث رواه مسلم رقم (٢٦٩٩) في الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر؛ والترمذي رقم (٢٩٤٥) في القراءات، باب رقم (١٢)؛ وأحمد في المسند ٢/ ٤٠٧ من حديث أبي هريرة ﵁.
(^٦) رواه الترمذي رقم (٣٥٠٩) في الدعوات، باب رقم (٨٣)، وقال: حديث حسن غريب. وفي سنده إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، ثقة حافظ، رمي بالنصَب، ولكن للحديث شاهد عند الطبراني في "المعجم الكبير" من حديث عبد الله بن عباس، كما ذكر صاحب "كنز العمال" ١٠/ ١٣٨، فهو به حسن.
(^٧) قوله: "فإذا انقضى مجلس الذكر" ساقط في (آ).
1 / 47