مجلس في فضل التذكير بالله تعالى ومجالس الوعظ
خَرَّج الإمامُ أَحْمَد، والترمذي، وابنُ حبّان في "صحيحه" من حديث أبي هُرَيْرَةَ ﵁، قال: قلنا يا رسولَ الله، ما لنا إذا كُنَّا عندَكَ رقَّتْ قلُوُبنا وزهِدْنا في الدّنيا، وكنَّا من أهلِ الآخرة، فإذا خرَجْنا من عندك فآنسْنا (^١) أهلَنا وشَمِمْنا أولادنا، أنكرنا أنفسنا؟ فقال رسولُ الله ﷺ: "لَوْ أَنَّكم إذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدي كُنْتُم عَلَى حَالِكُم ذَلِكُمْ لَزَارَتْكُم المَلَائِكَةُ في بِيُوتكُم، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ الله بخَلْقٍ جَدِيدٍ حتى يُذنِبُوا فيغفرَ لهم". قلتُ: يا رسولَ الله! مِمّ خُلِقَ الخَلْقُ؟ قال: من الماء. قلتُ: الجنّةُ ما بناؤها؟ قال: لَبِنةٌ مِن ذهبٍ، ولبِنة من فِضةٍ، ومِلاطُهَا المسْكُ الأذْفَرُ، وحَصْباؤها اللؤلؤ والياقُوتُ، وتُربَتُهَا الزعفرانُ، مَن يدخلُها ينعَمُ لا يبأسُ، ويخلُدُ لا يموتُ، لا تَبلَى ثيابُهم، ولا يَفْنَى شبابهُم" (^٢). وكانت مجالسُ. النّبيِّ ﷺ مع أصحابه عامتُها مجالسَ تذكيرٍ بالله وترغيبٍ وترهيبٍ؛ إمّا بتلاوةِ القرآن، أو بما آتاهُ الله من الحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، وتعليمِ ما ينفعُ في الدِّين، كما أمرَهُ الله تعالى في كتابه أن يذكِّرَ ويعِظَ ويقُصَّ، وأن يدعوَ إلى سبيل ربَّه بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، وأن يبشِّر ويُنذرَ، وسمَّاه الله ﴿وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ (^٣).
_________
(^١) في ع، ش: "عافسنا". وهذه اللفظة من حديث آخر رواه مسلم في صحيحه رقم (٢٧٥٠) في التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة، من حديث حنظلة الأسيدي ﵁. والمعافسة: المعالجة والممارسة والملاعبة. (النهاية ٣/ ٢٦٣).
(^٢) رواه أحمد في "المسند" ٢/ ٣٠٤ - ٣٠٥ و٤٤٥ مختصرًا؛ والترمذي رقم (٢٥٢٦) في صفة الجنة، باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها؛ وابن حبان رقم (٢٦٢١) "موارد" في صفة الجنة، باب فيما في الجنة من الخيرات، وهو حديث صحيح، وقد ساقه المؤلف بالمعنى من رواية الإمام أحمد. والمِلاط: الطين الذي يجعل بين سافَي البناء، يُمْلَط به الحائط، أي يُخْلَط. (النهاية ٤/ ٣٥٧) والذَّفَر، بالتحريك: يقع على الطَّيِّب والكريه، ويفرَق بينهما بما يضاف إليه ويوصف به. (النهاية ٢/ ١٦١).
(^٣) سورة الأحزاب الآية ٤٥ و٤٦. ويعده في المطبوع ما نصه: "بإذنه وسراجًا منيرًا. فقيل: سراجًا للمؤمنين في الدنيا، ومنيرًا للمذنبين يوم القيامة بالشفاعة. وسمي سراجًا، لأن السراج الواحد يوقد منها ألف سراج ولا ينتقص من نوره شيء. كذلك خلق الله الأنبياء من نور محمد ﷺ ولم ينقص من نوره شيء. قال العلماء ﵃: والسرج خمسة: واحد في الدنيا، وواحد =
1 / 45