عونًا لنَفسي ولإخواني على التزوُّدِ للمعادِ، والتأهُّب للموتِ قبلَ قُدُومِهِ، والاستِعدادِ. وأفوِّضُ أمري إلى الله، إن الله بصيرٌ بالعباد. ويكوَن أيضًا صالحًا لمن يُريدُ الانتِصابَ للمواعظِ مِن المذكِّرينَ؛ فإنّ مِن أفضَلِ الأعمالِ عندَ اللهِ لِمن أرادَ به وَجْهَ الله إيقاظَ الراقدين، وتنبيهَ الغافلين؛ قال الله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (^١). ووعَدَ مَنْ أَمَرَ بصدَقةٍ أو معروفٍ [أو إصلاح بين الناس] (^٢) يبتغي به وَجْهَ الله، (^٣) أجرًا عظيمًا. وأخبرَ نبيُّه ﷺ أن "مَنْ دَعَا إلى هُدًى فَلَهُ مثلُ أجرِ مَنْ تبِعَهُ" (^٤)، وكفَى بذلك فضلًا عميمًا. وقد جعلْتُ هذه الوظائفَ المتعلِّقةَ بالشهورِ مجالسَ مجالسَ، مُرتَّبةً على ترتيبِ شُهور السَّنةِ الهِلاليَّةِ؛ فأبدأ بالمحرَّم، وأختِمُ بذي الحجّةِ، وأذكُرُ في كل شهرٍ ما فيه من هذِه الوظائفِ، وما لم يكُنْ له وظيفة خاصَّةٌ لم أذكُرْ فيه شيئًا. وختمْتُ ذلك كله بوظائفِ فصولِ السَّنةِ الشمسيَّةِ، وهي ثلاثةُ مجالِسَ: في ذكر الرّبيع، والشتاءِ، والصيفِ. وختمْتُ الكتابَ كلَّهُ بمجلس في التوبةِ والمبادَرَةِ بها قبلَ انقِضاءِ العُمُرِ؛ فإنّ التوبةَ وظيفة العمرِ كلِّهِ. وأبدأ قبلَ ذكر وظائفِ الشهورِ بمجلس في فضل التذكيرِ بالله يتضمَّنُ ذِكْرَ بعض ما في مجالسِ التذكيرِ منَ الفَضْلِ، وسمَّيته: "لطائف المعارِف فيما لمواسم العامَ من الوظائف". والله تعالى المسَؤول أن يجعلَهُ خالصًا لوجهِهِ الكريمِ، ومقربًا إليه وإلى دارِه، دارِ السَّلامِ والنَّعيمِ المقيمِ، وأنْ ينفَعَنا (^٥) به وعبادَهُ المؤمنين، وأن يوفِّقَنا لما يحبُّ وَيرضى، وَيختِمَ لنا بخيرٍ في عافيةٍ؛ فَإنَّه أكرمُ الأكرمينَ وأرحمُ الراحمين، آمين.
وهذا أوانُ الشروع فيما أردناهُ والبُداءَة بالمجلسِ الأوَّلِ كما شَرَطناهُ. ولا حول ولا قوَّةَ إلا بالله.
* * *
_________
(^١) سورة الذاريات الآية ٥٥.
(^٢) زيادة من (ط).
(^٣) في ب، ط، ع: "وجهه".
(^٤) رواه مسلم رقم (٢٦٧٤) في العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة؛ وأبو داود رقم (٤٦٠٩) في السنة، باب لزوم السُّنَّة؛ والترمذي رقم (٢٦٧٤) في العلم، باب ما جاء فيمن دعا إلى هدى فاتُّبع أو إلى ضلالة؛ وابن ماجه رقم (٢٠٦) في المقدمة، باب من سن سنة حسنة أو سيئة. ولفظه عند مسلم: عن أبي هريرة ﵁، أن رسول الله ﷺ قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا. ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا".
(^٥) في آ: "ينفعني".
1 / 44