والحجِّ. ومنه فَرْضٌ مفروضٌ عليهم، كصيام رمضانَ، وحَجَّةِ الإسلام. ومنه ما هو مندوبٌ، كصيام شعبانَ، وشوال، والأشهرِ الحُرُمِ.
وجعل اللهُ سبحانه لبعض الشهور فضلًا على بعض، كما قال تعالى: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ (^١). وقال الله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ (^٢). وقال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ (^٣).
كما جعلَ بعضَ الأيام والليالي أفضلَ من بعض، وجعلَ ليلةَ القَدْرِ خيرًا من ألفِ شهرٍ، وأقسَمَ بالعَشْرِ؛ وهو عَشْرُ ذي الحِجَّةِ على الصحيح، كما سنذكُرُه في موضعه إن شاء الله تعالى. وما من هذه المواسم الفاضلةِ موسمٌ إلَّا ولله تعالى فيه وظيفةٌ من وظائفِ طاعاتِه، يتقرَّبُ بها إليه، ولله فيه (^٤) لطيفةٌ من لطائفِ نفحاتِه (^٥)، يُصيبُ بها من يعودُ (^٦) بفضله ورحمته عليه. فالسعيدُ من اغْتَنَمَ مواسِمَ الشهورِ والأيامِ والسَّاعاتِ، وتقرَّبَ فيها إلى مولاهُ بما فيها من وظائفِ الطّاعاتِ، فعسى أن تصيبَه نَفْحَةٌ من تلك النَّفَحاتِ، فيسعد بها سعادةً يأمَنُ بعدَها من النارِ وما فيها من اللّفَحَاتِ.
وقد خرَّجَ ابنُ أبي الدنيا (^٧) والطَّبَرانيَّ (^٨) وغيرُهما، من حديثِ أبي هريرةَ (^٩) مرفوعًا: "اطلُبُوا الخير دَهْرَكُم [كُلَّهُ]، وتعرَّضُوا لِنَفَحاتِ رحمةِ رَبِّكُم، فإِنّ لله نَفَحاتٍ
_________
(^١) سورة التوبة، الآية ٣٦.
(^٢) سورة البقرة، الآية ١٩٧.
(^٣) سورة البقرة، الآية ١٨٥.
(^٤) في ب، ط وهامش ع: "فيها"، وسقط لفظ الجلالة من (ع).
(^٥) في ب: "وظيفة من وظائف طاعاته يتقرب بها".
(^٦) في ط: "يشاء".
(^٧) هو عبد الله بن محمد بن عبيد، أبو بكر القرشي البغدادي، المعروف بابن أبي الدنيا، صاحب "كتاب الشكر لله ﷿" المطبوع في دار ابن كثير وغير ذلك من التصانيف في الرقائق والمواعظ. مات سنة (٢٨١) هـ، رحمه الله تعالى.
(^٨) هو أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الشامي الطبراني نسبة إلى طبرية من أرض فلسطين، ولد بعكا سنة ٢٦٠ هـ، ورحل إلى معظم الأقطار لجمع الحديث النبوي، وحدَّث عن ألف شيخ أو يزيدون، وصنف ثلاثة معاجم في الحديث هي "المعجم الكبير" و"المعجم الأوسط" و"المعجم الصغير" مات سنة ٣٦٠ هـ، رحمه الله تعالى.
(^٩) اختلف في اسمه اختلافًا كبيرًا، ولكن الأصح عند العلماء أن اسمه عبد الرحمن بن صخر، ولد سنة (٢٢) قبل الهجرة، وأسلم متأخرًا سنة (٧) هـ، ولزم النبي ﷺ، فروى عنه (٥٣٧٤) حديثًا، وولي إمرة المدينة مدة، ولما صارت الخلافة إلى عمر استعمله على البحرين، ثم رآه ليّن العريكة مشغولًا بالعبادة، فعزله، وأراده بعد زمن على العمل فأبى، وكان أكثر مقامه في المدينة، وتوفي فيها سنة (٥٩) هـ، ﵁.
1 / 40