وجعل الله لبعض الشهور فضلًا على بعض، كما جعل بعض الأيام والليالي أفضل من بعض.
ورأى المؤلف أنه ما من هذه المواسم الفاضلة موسم إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعاته، يتقرَّب بها إليه؛ ولله فيه لطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بها من يعود بفضله ورحمته عليه.
والسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرَّب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات.
ثم قال: "وقد استخرت الله تعالى في أن أجمع في هذا الكتاب وظائف شهور العام وما يختص بالشهور ومواسمها من الطاعات؛ كالصلاة، والصيام، والذكر، والشكر، وبذل الطعام، وإفشاء السلام وغير ذلك من خصال البررة الكرام؛ ليكون ذلك عونًا لنفسي ولإخواني على التزوّد للمعاد، والتأهب للموت قبل قدومه والاستعداد".
ولابن رجب هدف آخر من كتابه وهو أن يفيد منه من يريد أن ينتصب للتذكير والوعظ، وهي سمة بارزة للكتاب، قال: "وليكون أيضًا صالحًا لمن يريد الانتصاب للمواعظ من المذكرين، فإن من أفضل الأعمال عند الله، لمن أراد به وجه الله، إيقاظ الراقدين، وتنبيه الغافلين".
وقد جعل هذه الوظائف المتعلقة بالشهور، مجالس مجالسَ، مرتبة على ترتيب شهور السنة الهلالية، فبدأ بشهر المحرم، وختم بذي الحجّة، وذكر في كل شهر ما فيه من هذه الوظائف. وما لم يكن له وظيفة خاصة لم يذكر فيه شيئًا، فقد ترك ذكر ثلاثة أشهر، هي: ربيع الآخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، فلم يتحدث عنها بشيء.
وختم ذلك كله بوظائف فصول السنة الشمسية، وهي ثلاثة مجالس: في ذكر الربيع، والشتاء، والصيف.
وكان قد بدأ كتابه بمجلسٍ في فضل التذكير بالله، ثم ختمه بمجلس في التوبة والمبادرة قبل انقضاء العمر؛ فإن التوبة وظيفة العمر كلّه.
1 / 22