كيف بك إذا ورد بك هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، فوقعت في الحسرات، وصارت صورتك تتغير، وتنفصل المفاصل عن مواضعها وتتكسر، وسالت منك العيون بالدموع، وساء المنظر، وصار جسدك بعد الحسن يتغير، ثم عجل بك كل من كان حبيبك إلى الحفرة الضيقة وألقوا عليك التراب والحجر، فبقيت وحيدا متحسرا فريدا متحيرا باكيا على ما فات وما صدر، أفلا يعتبر العاقل من هذه الأحوال وشدائد الأهوال! أفلا يتدبر! ألك عهد بالخلود في الدنيا من العزيز الأكبر، كلا؛ والله ما من نفس منقوسة إلا وهي مقبوضة وتدفن وتقبر، وإذا جاء أجلها لا تستقدم ولا تتأخر، وتبقى رهينة بما كسبته وتتأسف وتتحسر، أما تعلم أن الدنيا دار فناء ورحيل لم يأت فيها أحد إلا وهو على جناح السفر، {كل نفس ذائقة الموت}(1)، وكل شيء له الفوت إلا الخالق الأكبر، ولو بقى أحد في الدنيا خالدا لبيقي نبينا سيد الجن والبشر، أما تعرف أنها ليست الحياة الدنيا إلا متاع الهم والغرر، أما سمعت ما يمضي عليك بعد البرزخ يوم المحشر، يوم يحاسب على كل صغير وكبير، وكل ذلك في الكتاب مستطر، {فإذا برق البصر، وخسف القمر، وجمع الشمس والقمر، يقول الإنسان يومئذ أين المفر، كلا لا وزر، إلى ربك يومئذ المستقر، ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر}(2).
Page 45