وقال (من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر)(1)، ولازموا أداءها بالجماعة، فأنها سنة نبيكم فلو أنكم صليتم في بيوتكم لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، واستحققتم العتاب المهين، وإياكم ثم إياكم أن تتكاسلوا فيها، فمن تكاسل فيها ولم يحافظ عليها حشر مع فرعون وهامان وقارون ورؤساء الشياطين، وتذكروا يوم الساعة: الحاقه وما أدرئك ما الحاقة، يوم عظيم، كربه شديد، هوله يفتضح فيه العصاة والمجرمون، ويندم فيه الباعدون المتخلفون، يوم يحاسب فيه على كل نقير وقطمير، ويناقش فيه كل صغير وكبير، فكم من شاب ينادي واشباباه، وكم من امرأة تنادي وافضيحتاه، وكم من ذي شيب ينادي وامشيختاه، يوم الذلة والمسكنة، يوم الفضيحة والغربة، يوم ازدحام الخلائق في صعيد واحد أجمعين، فما حالك إذا حضرت عند الملك المقتدر، وعرض عليك كل صغير وكبير مستطر في دفاتر الكرام الكاتبين، فإذا نظرت فيها رأيتها سودا من ذنوبك، وقلت: ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فنكست رأسك وندمت وعلمت أنك من الهالكين، ثم سألك ربك عن مالك من أين اكتسبت؟ وعن عمرك فيما ضيعت؟ فعند ذلك أيقنت بالهلاك إلا أن يرحمك ربك ويغفر ذنوبك أغفر الغافرين، فالله الله عباد الله اتقوا الله ولا تكونوا من الغافلين، ما هذه الجرأة على المعاصي! وما هذه الغفلة بارتكاب المناهي! ألكم براءة من النار! أم أنتم في الدنيا من الخالدين!
وقولوا من صميم الفؤاد: اللهم يا رحمن يا جواد نحن عبادك العصاة المجرمون، بذنوبنا معترفون، وعما اكتسبنا نادمون، فاصفح عنا وارحمنا، واعف عنا، ولا تجعلنا مع الظالمين وأدخلنا الجنة برحمتك، وأنت أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين}(1).
الخطبة الأولى للجمعة الخامسة من المحرم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع السماء بغير عماد، وبسط الأرض فراشا، وخلق لها الأوتاد، سبحانه ما أعظم شأنه، خلق الخلق في ستة أيام، واحكم العالم بغاية الإحكام، ثم استوى على العرش استواء يليق بشأنه، وهو الكريم الجواد، أحمده حمدا على إنعامه وأشكره شكرا على إحسانه خلق الخلق، واصطفى منه بني آدم، واختار منهم العباد.
نشهد أنه لا إله إلا هو وحده المنزه عن الشركاء والأنداد، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، رحمة للعالمين، خاتم المرسلين، سيد كل حاضر وباد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة إلى يوم التناد.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تقاته، وحاسبوا أنفسكم في صباحه ومسائه، وتيقظوا من الغفلة والرقاد إلى متى هذه الجرأة؟ إلى متى هذه الغفلة؟ إلى متى هذا الرقاد؟ تنبهوا من نوم الغفلة، لا تلهكم عن ذكر الله الأموال والأولاد والأحفاد.
أما تعلمون أن الدنيا دار فناء وعبور كل شيء فيه فان بمرور الدهور إلا وجه خالق العباد.
Page 21