لامرتين ينشر ديوانه الثالث
قلنا سابقا إن الشاعر كان قد نظم في إيطاليا قصائد بينها «يهوه» أو فكرة الله، و«الدوحة» وهي تابعة لقصيدة «يهوه»، و«الإنسانية» وهي تابعة لقصيدة «يهوه» أيضا، و«ميللي» أو مسقط الرأس، و«أنشودة المسيح»، و«الحسرة الأولى»، وهي مناجاة تذكر فيها الشاعر طيف غرازييلا، و«أنشودة الصباح» وغيرها. ولقد شاء لامرتين أن يبيع حق نشر هذا الديوان بأربعين ألف فرنك، ولا ننسى أنه كان شديد الرغبة في أن يستثمر مؤلفاته ويهب عروس الشعر الفرنسية ذهبا وفضة. على أنه لم ينجح هذه المرة، فتريث إلى أن نجحت المساومة.
وفي 15 يونيو 1830 ظهر الديوان في جزأين يحتوي كل منهما 350 صفحة. أما ملتزمه، فكان الكتبي الشهير شارل غوسلين المشمول برعاية الدوق ده بوردو، وأما الديوان فقد استقبله الأدباء بكثير من الثناء إلا بعضا منهم حمل عليه حملة شديدة لم يعبأ بها الشاعر.
المقاصد الكبرى
1830-1849
عندما انطلقت ثورة 1830 حولت لامرتين عن طريق الأحلام، وطرحته في طريق العمل حيث كان ينتظره شكل جديد من أشكال المجد. وكان منذ العام 1817 قد بدأ يهتم اهتماما كبيرا بالقضايا السياسية، ولقد كتب إلى صديقه فيريو يقول: «إني لأتوقع في البلاد ثورة تجترف الملك ما كنت لأتوقعها من قبل.»
وفي 27 حزيران 1830 كتب إلى فيريو يقول: «أمريضة فرنسا أم لا؟ أما أنا فأظنها تحتضر؛ وعلى كل، أراني مستعدا للمناضلة ومقاومة الأغبياء والمنافقين.» وكتب إليه أيضا: «إن الجهاد في سبيل الحرية لمن المقدسات عندي؛ على أني أخشى الانتقال من النظام الملكي إلى الفوضى ...»
وبعد مرور ثلاثة أشهر رشح لامرتين نفسه لكرسي في مجلس النواب؛ على أنه لم ينجح؛ لأن الشعب كان ينظر إليه كأحد مناصري الملك كارلوس العاشر وسلالة البوربون. سوى أن الشاعر لم يكن في حاجة ملحة إلى الجلوس على الكرسي النيابي؛ لأن رغبته في زيارة الشرق كانت تملأ روحه، قال: «أود أن أذهب إلى الشرق لأبحث عن تأثيرات شخصية في ذلك الملعب الرحب، حيث وقعت حوادث العالم القديم ومثلت السياسات والأديان. أود أن أقرأ قبل الموت أجمل صفحة من سفر الخليقة، فإذا اهتدى الشعر في ذلك الملعب إلى صور جديدة فلا أتردد عن حملها في زوايا مخيلتي؛ رجاء أن أتوصل بذلك إلى إعارة الآداب ألوانا جديدة.»
ولقد كانت رغبة لامرتين في زيارة الشرق قد بدأت تحرك نفسه منذ العام 1818 أو قبله، فشاتوبريان كان قد شوق الفرنسيين في أحد كتبه إلى زيارة مهبط الأنبياء، وكانت ثورة اليونان على الترك قد نبهت الشباب الرومانطيقي إلى جمال الشرق. ولقد اتصل بالمسيو دوميك رسالة كتبها لامرتين في العام 1818 نأخذ منها ما يلي: «لو استطعت أن أجمع مائة ليرة لذهبت إلى اليونان، فإلى أورشليم، لا أحمل إلا كيسا، ولا آكل إلا خبزا.» وقبل أن يهم بالسفر كتب إلى صديق له يقول: «أود أن أزور في الأول مدينة القسطنطينية فأتفرج على شواطئ البوسفور، ثم أنتقل إلى سوريا فأزور فلسطين ولبنان وتدمر وبعلبك، إذا سمح العرب، فإلى مصر حيث أتفرج على النيل والأهرام.»
ولما حان موعد الرحيل استقل الشاعر مركبا شراعيا محموله مائتان وخمسون طنا، وهو ملك البحري برينو روستان، جد الشاعر إدمون روستان. وعندما وصل لامرتين إلى مرسيليا استقبله رهط من المعجبين به، واحتفى به احتفاء لم يكن الشاعر قد عرف مثله بعد. ولقد شاء المجمع الأدبي في هذه المدينة أن يكرمه فانتخبه عضو شرف، ولما حان موعد السفر ودع الشاعر إخوانه بقصيدة رائعة، نقتطف منها ما يلي: «لم أسافر بعد في أوقيانوس الرمال على مطية مركب الصحراء،
Unknown page