Lamahat Min Hayat Ibn Taymiyya
لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية
Genres
فمن أدلة القول الأول منهما: قوله تعالى: {قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم} (الأنعام:128). وقوله تعالى: {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق. خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد} (هود:106-107). ولم يأت بعد هذين الاستثنائين ما اتى بعد الاستثناء المذكور لأهل الجنة، وهو قوله: {عطاء غير مجذوذ} (هود:108). وقوله تعالى: {لابثين فيها أحقابا} (النبأ:23) وهذا القول، -أعني القول بفناء النار دون الجنة- منقول عن عمر، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وغيرهم. وقد روى عبد بن حميد في تفسيره المشهور، بسنده إلى عمر رضي الله عنه، أنه قال: "لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه" (قال ناصر الدين الألباني ضعيف، لأنه من روايته عن الحسن قال: قال عمر. والحسن لم يدرك عمر رضي الله عنه. وقال ابن القيم في (حادي الأرواح) (2/71 طبع الكردي) عقبه: والحسن لم يسمع من عمر. ومع ذلك فقد حاول تقويته بكلام خطابي، لا غناء فيه (راجع المستدرك) وقد روي نحوه عن عبدالله بن عمرو موقوفا بسند ضعيف، وعن ابي امامة مرفوعا بسند فيه تآلف، وقد تكلمت عليه في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة) ضمن المائة السابعة)، ذكر ذلك في قوله تعالى: {لابثين فيها أحقابا} (النبأ:23). قالوا: والنار موجب غضبه، والجنة موجب رحمته. وقد قال صلى الله عليه وسلم: [لما قضى الله الخلق، كتب كتابا، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي] (متفق عليه). وفي رواية: [تغلب غضبي]. رواه البخاري في (صحيحه) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قالوا: والله سبحانه يخبر عن العذاب أنه: {عذاب يوم عظيم} (الأنعام:15). و{أليم} (هود:26). و{عقيم} (الحج:55). ولم يخبر ولا في موضع أحد عن النعيم أنه نعيم يوم. وقد قال تعالى: {عذابي أصيب به من أشاء، ورحمتي وسعت كل شيء} (الأعراف:155). وقال تعالى حكاية عن الملائكة: {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما} (غافر:7)، فلا بد أن تسع رحمته هؤلاء المعذبين، فلو بقوا في العذاب لا إلى غاية لم تسعهم رحمته. وقد ثبت في (الصحيح) تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة (أخرجه مسلم في حديث لأبي هريرة في عقوبة مانع الزكاة يوم القيامة. وفي الباب عن ابن عمرو عند الحاكم (4/572) وصححه ووافقه الذهبي)، والمعذبون فيها متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم، وليس في حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين أن يخلق خلقا يعذبهم أبد الآباد عذابا سرمدا لا نهاية له. وأما أنه يخلق خلقا ينعم عليهم ويحسن إليهم نعيما سرمدا، فمن مقتضى الحكمة. والإحسان مراد لذاته، والانتقام مراد بالعرض. قالوا: وما ورد من الخلود فيها، والتأييد، وعدم الخروج، وأن عذابها مقيم، وأنه غرام: كله حق مسلم، لا نزاع فيه، وذلك يقتضي الخلود في دار العذاب ما دامت باقية، وإنما يخرج منها في حال بقائها أهل التوحيد. ففرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله، وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه.
ومن أدلة القائلين ببقائها وعدم فنائها: قوله: {ولهم عذاب مقيم} (المائدة:40)، {لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون} (الزخرف:43)، {فلن نزيدكم إلا عذابا} (النبأ:30)، {خالدين فيها أبدا} (البينة:8)، {وما هم منها بمخرجين} (الحجر:48) (هذه الآية في أهل الجنة فلعله اراد آية المائدة (وما هم بخارجين منها)، {وما هم بخارجين من النار} (البقرة:167)، {لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} (الأعراف:40)، {لا يقضى عليهم فيموتوا، ولا يخفف عنهم من عذابها} (فاطر:36).
Page 97