Lamahat Min Hayat Ibn Taymiyya
لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية
Genres
الوجه الثاني عشر: أن النعيم والثواب من مقتضى رحمته ومغفرته وبره وكرمه ولذلك يضيف ذلك إلى نفسه. وأما العذاب والعقوبة فإنما هو من مخلوقاته، لذلك لا يسمى بالمعاقب والمعذب بل يفرق بينهما فيجعل ذلك من أوصافه وهذا من مفعولاته حتى في الآية الواحدة كقوله تعالى: {نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم} (الحجر:49-50)، وقال تعالى: {اعلموا أن الله شديد العقاب، وأن الله غفور رحيم} (المائدة:98)، وقال تعالى: {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} (الأعراف:67)، ومثلها في آخر الأنعام، فما كان من مقتضى أسمائه وصفاته فإنه يدوم بدوامها ولا سيما إذا كان محبوبا له وهو غاية مطلوبة في نفسها وأما الشر الذي هو العذاب في أسمائه وصفاته، وإن دخل في مفعولاته لحكمه إذا حصلت زال وفني بخلاف الخير، فإنه سبحانه دائم المعروف لا ينقطع معروفه أبدا وهو قديم الإحسان أبدي الإحسان، فلم يزل ولا يزال محسنا على الدوام. وليس من موجب أسمائه وصفاته أنه لا يزال معاقبا على الدوام غضبان على الدوام منتقما على الدوام، فتأمل هذا الوجه تأمل فقيه في باب أسماء الله وصفاته، يفتح لك بابا من أبواب معرفته ومحبته.
الوجه الثالث عشر: وهو قول أعلم خلقه به، وأعرفهم بأسمائه وصفاته [والشر ليس إليك] ولم يقف على المعنى المقصود من قال الشر لا يتقرب به إليك، بل الشر لا يضاف إليه سبحانه بوجه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا أسمائه، فإن ذاته لها الكمال المطلق من جميع الوجوه، وصفاته كلها صفات كمال يحمد عليها ويثنى عليه بها، وأفعاله كلها خير ورحمة وعدل، وحكمة لا شر فيها بوجه ما، وأسماؤه كلها حسنى، فكيف يضاف الشر إليه بل الشر في مفعولاته ومخلوقاته وهو منفصل عنه، إذ فعله غير مفعوله ففعله خير كله، وأما المخلوق المفعول ففيه الخير والشر.
Page 132