ما هذا الذي فعلت؟ ألم أكن أريدها؟ ألم أكن أدبر الخطط لأنالها؟ ثم حين تواتيني اللحظة أزهد؟ ولكني أحسست بشيء جديد؛ شيء يشبه الصدق في عينيها، وشيء يشبه الصدق في أعماقي، كانت لحظة خاطفة كالبرق حملتني من الصدق إلى الحب إلى النبل، ومن النبل إلى الزهد.
ولكن لن أعود إليها أبدا، فأنا لا أستطيع أن أكون صادقا دائما، لا أستطيع أن أكون نبيلا دائما، لقد حملتني الحياة الشريرة بفطرتها في طريقها، وقطعت شوطا بعيدا عن الصدق، ولا أستطيع أن أعود أدراجي، لا أستطيع، لقد بعدت كثيرا عن البداية، واقتربت كثيرا من النهاية.
سأنساها ... بعد يوم، بعد سنة؛ ولكني سأنساها حتما في دوامة حياتي. ولكن شيئا واحدا لن أنساه، إنني رغم أنفي كنت قادرا على أن أعيش لحظة صدق كاملة ضحيت فيها برغبة عذبتني فترة طويلة.
نام الرجل بعد العشاء
نظر في وجوه الناس وهو جالس على كرسي مذهب عال يرتفع عن الأرض ارتفاعا جعل رءوس الناس في مستوى قدميه، وعجب كيف ينظر الناس إلى قدميه في احترام بالغ مع أنه نسي أن يلبس الحذاء.
كيف نسي أن يلبس حذاءه.
كان هذا السؤال الذي يجوب في أنحاء نفسه ويكاد يسلمه إلى نوع من الذهول يطغى على ذلك الحزن الشديد الذي كان يشعر به كلما نظر إلى قدميه الحافيتين، وهما تستندان قاعدة الكرسي الموشاة بالذهب.
وشعر بالعرق يتصبب من وجهه، رأى أصابع قدميه متسخة وأظافرها سوداء، وتعجب كيف نسي أن يلبس الحذاء قبل أن يخرج من بيته، مع أنه تعود على أن يلبسه كل يوم منذ خمسة وأربعين عاما، واشتد عجبه حين رأى الناس ينظرون إلى قدميه في احترام وإجلال.
وأخذت نظراته المتسائلة الذاهلة تنتقل في قلق من قدميه الحافيتين إلى وجوه الناس الخاشعة، محاولا أن يكتشف الحقيقة ويعرف من الأعمى؛ عيناه أم عيون الناس؟ لكنه لم يستطع؛ وكيف له وحده أن يعلم؟ لا بد من حكم، واستبدت به الرغبة في معرفة الحقيقة، فأشار بأصبعه الصغيرة إلى رئيس حاشيته، فانتفض الرجل للإشارة وترك مكانه على رأس الصفوف وأسرع إليه ومثل بين يديه راكعا.
وأشار في ترفع إلى قدميه، وقال بلهجة ملكية آمرة: انظر!
Unknown page