ثم يتأمل دليل صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إليه، وأكبر الدلائل القرءان الذي أعجز الخلق أن يأتوا بسورة من مثله.
فإذا ثبت عنده وجود الخالق وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وجب تسليم عنانه إلى الشرع، فمتى لم يفعل دل على خلل في اعتقاده.
ثم ينبغي له أن يعرف ما يجب عليه من الوضوء والصلاة، والزكاة إن كان له مال، والحج، وغير ذلك من الواجبات، فإذا عرف قدر الواجب وقام به فينبغي لذي الهمة أن يترقى إلى الفضائل، فيتشاغل بحفظ القرءان وتفسيره، وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبمعرفة سيره وسير أصحابه والعلماء بعدهم، ليتخير مرتبة الأعلى فالأعلى.
ولا بد من معرفة ما يقيم به لسانه من النحو ومعرفة طرف من اللغة مستعمل.
والفقه أم العلوم، والوعظ حلواؤها وأعمها نفعا.
وقد رتبت في هذه المذكورات وغيرها من التصانيف ما يغني عن كل ما سبق من تصانيف القدماء وغيرها، بحمد الله ومنته، فأغنيتك عن تطلب الكتب، وجمع الهمم للتصنيف.
وما تقف همة إلا لخساستها، وإلا فمتى علت الهمة لم تقنع بدون.
وقد عرفت بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حثت سارت.
ومتى رأيت في نفسك عجزا فسل المنعم، أو كسلا فالجأ إلى الموفق، فلن تنال خيرا إلا بطاعته، ولا يفوتك خير إلا بمعصيته، ومن الذي أقبل عليه فلم ير كل مراد لديه؟ ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة؟ أو حظي بغرض من أغراضه؟
أو ما سمعت قول الشاعر:
بالليل ما جئتكم زائرا إلا ... رأيت الأرض تطوى لي
ولا ثنيت العزم عن بابكم ... إلا تعثرت بأذيالي
فصل في ضرورة مراعاة الحدود الشرعية وشيء من أحوال ابن الجوزي
وانظر يا بني إلى نفسك عند الحدود، فتلمح كيف حفظك لها؟ فإنه من راعى روعي، ومن أهمل ترك، وإني لأذكر لك بعض أحوالي لعلك تنظر إلى اجتهادي، وتسأل الموفق لي.
Page 3