57

قال حماس: ولماذا وما فائدتك منه؟ فإن كان ما تصيب بسببه من الرزق الواسع، فأنا أجزيه لك كل يوم وأزيد، وإن كان ...

قال التاجر (مقاطعا): لا تتعب نفسك يا مولاي، فإني أفي لهذا اللوح كما وفى لزوجتي وابني، فلو كان لحياتهما ثمن عندي ما تأخرت عن مساومتك فيه.

فأطرق حماس برأسه هنيهة، وقد أقشعر بدنه واضطرب وجدانه، عندما تذكر يمينه للوح، وما شهد من وفاء التاجر له على حين كان الوفاء منه هو أحرى، ثم رفع عينيه وقال: هب إن كان الراغب فيه صديقكم حماس!

قال التاجر: لقد أشرق البيت بنورك، فأهلا بك يا مولاي وسهلا، ولكنني لا أبيعه أحدا ولو أنه الملك أبرياس.

قال حماس: فإن كان في بيعه خير لبلادك وسعادة لقومك، وملك مصر تنهى فيه أميرتكم لادياس وتأمر.

قال التاجر: إذن فهي حياة أعز علي من حياة امرأتي وولدي الواحد، وأنا في هذا الحال لا أبيعه بيعا، ولكن أقدمه تقديما.

قال حماس: وأنا أطلبه منك على هذا الشرط، ولكني أسألك أولا: أن تكتم الأمر كل الكتمان، ثانيا: أن تقبل مني عشرين ألف قطعة من الذهب تأخذ نصفها لك خاصة، وتنفق النصف الآخر في عمل عرش يليق لجلوس الملوك، وتكون قوائمه مصنوعة من خشب اللوح، ثالثا: أن تبقي هذا العرش عندك فلا تقدمه لي إلا إذا علمت أنني في خطر عظيم أو كرب جسيم، قال هذا وناوله قلادة كانت في جيبه تربي قيمتها على المبلغ الذي وعد به، فتناولها التاجر فرحا مسرورا، ثم خرج حماس وهو لا يبصر أين يضع القدم من شدة الاندهاش وفرط السرور.

كلكاس في مصر

كانت حامية منفيس وهي يومئذ الحامية الثانية للبلاد مؤلفة من الجنود الوطنيين الذين لم يكونوا مع الملك في جانب، وإن هم ظهروا في طاعته، واستمروا على الصدق والأمانة في خدمته.

وكانوا يحبون حماس ملء القلوب، ويستعين به قوادهم على قضاء حاجاتهم لدى فرعون وحكومته، وكانت له المراقبة عليهم بمقتضى وظيفته العليا في القصر السلطاني، فكان يذهب إلى منفيس بين الوقت والآخر لإجراء التفتيش العسكري، والنظر في شئون الحامية وانتقاد أحوالها.

Unknown page