Laali Saniyya Fi Tahani Sultaniyya
اللآلئ السنية في التهاني السلطانية
Genres
ومما ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام أن النظار في ذلك العهد كانوا مرتبطين بالمعية السنية مباشرة، بل يشخص ولي الأمر دون أن يكون بينهم أي تضامن ما، وأن الخديو كان قائما بشؤون الملك والحكم بنفسه في آن واحد. نعم، إنه كان يستعين في بعض الظروف بالمجلس المخصوص أو الخصوصي، فيحضره النظار وبعض كبار الموظفين القائمين بإدارة المصالح الأميرية الكبرى ونفر من ذوي الحيثيات الذين كانوا يحضرون الجلسات بصفة وزراء بلا مساند. أما مجلس النظار بشكله الحالي فلم يتكون إلا منذ سنة 1878 ميلادية.
وقد امتاز عهد دولة الأمير حسين كامل باشا في النظارات الثلاث السابق ذكرها بحركة نافعة ونشاط مفيد، ومما يدل على معرفته بأقدار الرجال أنه كلما سنحت الفرصة يذكر بالخير رجلين من أفاضل المصريين كان قد اختارهما لمعاونته بصفة مستشارين له: وهما شيخ المعارف المصرية المرحوم علي مبارك باشا في نظارة المعارف العمومية، وبقية المعمارين الوطنيين المرحوم حسين باشا المعمار في نظارة الأوقاف.
نعم إن دولته لم يمض في نظارة المعارف إلا مدة قصيرة جدا (11 شهرا و20 يوما)، ومع ذلك فقد كانت له اليد الطولى في توسيع نطاق التعليم العام في طول البلاد وعرضها. وامتاز عصره بما أوجده بنفسه من وسائل الترغيب والتشويق، فهو الذي أسس الجوائز المدرسية لمكافأة التلاميذ الذين يحرزون قصب السبق على أقرانهم، وقد أدت هذه الوسائل إلى رفع مستوى التعليم إلى درجة محسوسة. ومما يؤسف عليه أن هذه الجوائز قد ألغيت منذ سنة 1887 في المدارس الأميرية.
فلما تخلى دولة الأمير في 21 جمادى الثانية سنة 1290 / 14 أغسطس سنة 1873 عن نظارتي المعارف والأوقاف، تقلد أمرهما صديقه المرحوم رياض باشا الكبير، وبقي دولة الأمير في نظارة الأشغال العمومية، وأضيفت إليه نظارة الداخلية أيضا، ولكنه لم يمكث فيها سوى ثلاثة شهور.
وقد أدى دولته أثناء تقلده نظارة الأشغال العمومية أجل الخدم للبلاد وأبدى في ذلك همة مشكورة لا تزال آثارها باقية إلى الآن، وكانت هذه النظارة في ذياك العهد تشتمل على المصالح التابعة لها في أيامنا هذه وعلى مصلحة الليمانات والفنارات أيضا.
فمن مآثره أثناء وجوده بهذه النظارة إنشاؤه لترعة الإسماعيلية التي تدفقت بالمياه بل بالنضار، ونشرت البركة واليسار على ضفتيها في اليمين وفي اليسار، وبدلت البراري والقفار بجنات يانعة الثمار، وأحيت مدينتين من العدم وهما مدينة الإسماعيلية ومدينة السويس فأصبحتا بفضله ترفلان في حلل الثروة والعمار.
ومن مآثره المأثورة، وأياديه المشكورة، أنه كان في أثناء الفيضان يواصل الليل بالنهار لملافاة كل خطر يحدث من طغيان النيل، بل إنه أقام في قصره مكتبا خاصا للتلغراف ليكون على الدوام محيطا بكل ما يتجدد من حوادث الفيضان في الليل وفي النهار، ولكي يصدر ما تدعو إليه الحالة من الأوامر والتعليمات إلى رجال الإدارة وإلى القائمين بشؤون الري من المهندسين والعمال.
وهذه مدينة القاهرة له عليها الفضل الأكبر في وقايتها من غوائل الفيضان، فقد طوقها بالجسور التي تحميها إلى الآن من مياه النيل، وقد أمر بإنشائها في تلك السنة المهولة (سنة 1291 للهجرة/سنة 1874م) حيث بلغ فيها مقياس النيل بجزيرة الروضة إلى 26 ذراعا ونصف ذراع. وقد غمرت المياه أراضي مصر القديمة وأراضي القصر العيني والقصر العالي، ولولا تيقظ دولة الأمير وسهره المستديم لكانت العاصمة بأكملها وجزء عظيم مما يليها من الأراضي الزراعية عبارة عن بطيحة فسيحة الأرجاء مترامية الأطراف.
ولا أذكر سوى كلمتين عن وجود الأمير الجليل على رأس نظارة الحربية التي كانت معروفة في ذلك الحين بنظارة الجهادية، فقد تقلد شؤون هذه النظارة في أواخر ذلك العام مضافة إلى منصبه السامي في نظارة الأشغال.
في ذلك العصر كان السودان المصري وسلطنة دارفور تابعين لنظارة الجهادية المصرية من حيث الإدارة الملكية والعسكرية ، وقد كتب الله لشبل أبي الفدا إسماعيل الجليل شرفا ليس بعده من شرف وسعادة لا تدانيها سعادة، فهو الذي تم في عهده توسيع نطاق الحدود المصرية من الجهة الجنوبية توسيعا لم يحلم به الفراعنة ولا من أتى بعدهم من الملوك والسلاطين الذين تعاقبوا على وادي النيل، فقد افتتح القائد المصري رؤوف باشا بلاد هرر، بل توغلت جنود مصر حتى وصلت بفتوحاتها إلى رأس الأسير المعروف في كتب الجغرافية الإفرنجية باسم رأس غاردفوي على المحيط الهندي، واستمرت في تقدمها جنوبا حتى رفعت أعلامنا الوطنية على خط الاستواء، ولم تصل مصر في عصر من الاعصار إلى مثل هذا التوسع في الفتح والاستعمار.
Unknown page