Kulumb Wa Calam Jadid
كولومب والعالم الجديد: تاريخ اكتشاف أميركا
Genres
وعليه كان أول أمر في هذا الاكتشاف العظيم خلوه من كل شائبة بشرية، وتخصيصه لمحض رفع اسم الحق سبحانه وتعالى، ونشره في ربوع تلك القارة الجديدة لتخليد ذكر يسوع بين أركانها، وتعميم دينه بين أهليها وسكانها. فتأثر لذلك قلب إيزابل خصوصا، وكانت حكيمة عاقلة شفيقة القلب.
ولكن لم يلبث المجلس السلامنكي إلا وجاهر بفساد المشروع وعدم إمكان السير فيه؛ ولذلك انتظرت إيزابل ظهور الحقيقة التي يقولون عنها: إنها بنت البحث. وطالما كان يأسف كولومب ويتحسر لما يراه من احتقار العلماء، وامتهان أهل البلاد والبلاط الملوكي له ولمشروعه وسخرية التلاميذ به، حتى إن هؤلاء الأخيرين كانوا إذا قابلوه يدلكون جبهاتهم بأناملهم كأنهم يرمزون بذلك إلى فساد عقل كولومب، واضطراب قواته الإدراكية. فبعث كولومب حينئذ أخاه برتلماوس إلى فرنسا ليعرض عليها ما أبت إسبانيا تنفيذه. وفي ذلك الوقت (سنة 1492) دخل الملكان إسبانيا منصورين فرحين بهزيمة بوابديل ملك المغاربة شر هزيمة.
ثم عزمت إيزابل على تعضيد آراء كولومب، وتنفيذ مشروعه مهما كلفها من المصاريف والمشاق، فبعثت برسول وراء برتلماوس ليدركه قبل وصوله إلى فرنسا. وكان اهتمام سلطانة الكاستيل بمشروع كرستوف عظيما جدا حتى إنها قد صرحت بأنه لو احتاج الأمر إلى بيع حليها وجواهرها لباعتها تنفيذا لرغائب كولومب وإرضاء لخاطره؛ وذلك لأنها كانت تعهد فيه ما هو أكبر وأعظم من ذاك المشروع. فوضع كولومب الشروط التي يجب أن يسير عليها فقبلتها بدون نقض ولا إبرام. ومن مقتضى تلك الشروط صيرورة كولومب إذا نجح في مهمته أميرالا عظيما في المحيط، وحاكما عاما على الجزائر والبلاد المزمع اكتشافها، وواليا للهند ورسولا مبشرا، ويكون له الحق في عشر حاصلات تلك البلاد سواء كانت زراعية أو معدنية.
الرحلة الأولى
ذهب كولومب إلى ميناء صغير يدعى «بالوس» انتخبه ليكون نقطة قيامه، وعزم أخيرا على إعداد سفينتين على نفقة الحكومة وتأجير ثالثة. ولكن لما سمع الإسبانيون بهذا المشروع استولى عليهم الرعب واليأس والحزن والكآبة. فكان الملاحون يهربون منه ويهربون سفنهم وقواربهم، ثم تمارض النجارون وصناع السفن، وأبى التجار بيع الخشب والهناء
1
والحبال.
أجل، كيف لا ينفر الشعب من مشروع رفضه العلماء بأجمعهم؟! وكيف لا يحزنون ويتباعدون عنه وقد جاهر كل من يوثق بقولهم بعدم إمكان نجاحه، وصاروا يدحضون أقوال ذلك الرجل العظيم الذي يعد من أكبر المحسنين لبني الإنسان إن لم نقل أعظمهم؟!
وأخيرا بالنسبة لما كان ليوحنا بيريس - المار ذكره - من الثقة عند الأهالي أخذ يهدئهم بالكلام الرقيق، ويرشدهم إلى الحقيقة التي تتولد من الشروع في هذا الأمر، ويبين لهم النتائج العظيمة التي ينتظر أن تعود عليهم من ذلك المشروع. فعزم ثلاثة إخوة ملاحين؛ وهم الإخوة «بنسون»، على تكريس حياتهم لخدمة كولومب، وأخذوا يحضون زملاءهم على مساعدة هذا المشروع ويحثونهم على الإقبال عليه، حتى تمكنوا أخيرا من إعداد ثلاث سفن صغيرة تدعى الأولى «لابنتا»، والثانية «لاسنتاماريا» التي امتطاها الأميرال كولومب، والثالثة «لانينا» وهي أصغر الثلاثة كما يتضح ذلك من تسميتها. وكان عدد البحارة 120 نفرا، فاستعدوا لهذا الخطر الذي كان محدقا بهم - على ما كانوا يزعمون - من جراء تلك السياحة.
وإذ كان يوم الجمعة 3 أغسطس سنة 1492 هبت ريح شديدة أمر على أثرها كولومب باسم يسوع أن تنشر القلوع. فلما وصل إلى رأس الرجاء الصالح دخل إلى مخدعه القائم على مؤخرة السفينة، وشرع في كتابة يومياته باسم سيدنا يسوع المسيح. ولا عجب إذا صنع كذلك؛ فقد كان - كما قال قداسة البابا بيوس التاسع: «متوقد العزيمة، كثير الغيرة على الديانة المسيحية. لم يقدم على هذا المشروع الخطير ويرغب في اكتشاف عالم جديد لمجرد الحصول على أراض واسعة الأكناف يضمها إلى ممتلكات إسبانيا، بل كان يهمه على الأخص أن يجعل اسم يسوع يرفرف على شعوب جديدة عديدة لتكون تحت راية ورعاية الكنيسة المسيحية.»
Unknown page