Kull Shay Wa Akthar
كل شيء وأكثر: تاريخ موجز للانهائية
Genres
يوجد بالفعل ما يسمى مؤرخ الرياضيات، وفيما يلي اقتباس افتتاحي جيد عن أحد هؤلاء المؤرخين في ثلاثينيات القرن العشرين:
ثمة استنتاج حتمي لا مهرب منه: دون وجود نظرية متسقة عن الحدود الرياضية اللانهائية لا توجد نظرية عن الأعداد غير النسبية، ودون وجود نظرية للأعداد غير النسبية لا يوجد أي شكل من أشكال التحليل الرياضي ولا حتى شكل يشبه - ولو من بعيد - ما لدينا الآن، وفي النهاية، فإنه لولا التحليل لاضمحلت الغالبية العظمى من الرياضيات - بما في ذلك الهندسة ومعظم الرياضيات التطبيقية - على النحو الموجودة به الآن، واختفت جميعها من الوجود. ومن ثم، فإن الهدف الأهم الذي يواجه علماء الرياضيات سيكون فيما يبدو وضع نظرية مرضية عن اللانهائية. حاول كانتور أن يفعل ذلك، وهو ما حقق النجاح الذي سنراه لاحقا.
إن مصطلحات الرياضيات الرنانة ليست ما يهم الآن. يشير اسم كانتور الوارد في السطر الأخير أعلاه إلى البروفيسور جورج إف إل بي كانتور، الذي ولد عام 1845، ومنح الجنسية الألمانية من طبقة التجار، ويعد الأب المعترف به لنظرية المجموعات المجردة والأعداد فوق المنتهية، وقد وردت روايات من بعض المؤرخين عما إذا كان يهوديا. و«كانتور» هي لفظة لاتينية تعني مطربا.
يعد جي إف إل بي كانتور أهم عالم رياضيات في القرن التاسع عشر، وشخصية شديدة التعقيد ومثيرة للشفقة. فقد قضى جزءا كبيرا من حياته خلال مرحلة البلوغ المتأخرة مترددا على المصحات النفسية، ووافته المنية في مصحة في مدينة هاله
1
عام 1918. كما أن كيه جودل أهم عالم رياضيات في القرن العشرين، وتوفي أيضا جراء مرض نفسي. أما إل بولتزمان، وهو أهم علماء الفيزياء الرياضية في القرن التاسع عشر، فقد انتحر، وهكذا. يميل المؤرخون والعلماء الأفذاذ إلى قضاء وقت طويل في مناقشة مشاكل كانتور النفسية وما إذا كانت لها علاقة بأبحاثه في علم رياضيات اللانهائية وماهية تلك العلاقة وأبعادها.
في المؤتمر الدولي الثاني لعلماء الرياضيات المنعقد في باريس عام 1900، وصف البروفيسور د. هيلبرت، الذي أصبح عالم الرياضيات الأول على مستوى العالم، الأعداد فوق المنتهية لجورج كانتور بأنها «نتاج عبقري رياضيات فذ في أنقى صوره.» و«واحد من أبهى إنجازات النشاط البشري على الإطلاق في مجال المعقول.»
وفيما يلي اقتباس من جي كيه تشيسترتون: «الشعراء لا يصابون بالجنون ولكن لاعبي الشطرنج يصابون به، علماء الرياضيات يصابون بالجنون، وكذلك الصرافون، ولكن الفنانين المبدعين نادرا ما يصابون به. إنني لا أهاجم المنطق: أنا فقط أوضح أن هذا الخطر يكمن في المنطق، وليس في الخيال.» وفيما يلي أيضا مقتطف من موجز لسيرة ذاتية صدرت مؤخرا عن كانتور: «في أواخر القرن التاسع عشر، أصيب عالم رياضيات استثنائي بالضعف والهزال في مستشفى للأمراض العقلية ... وكان كلما اقترب من الإجابات التي ينشدها، بدت أبعد كثيرا. وفي النهاية، ساقه هذا إلى حافة الجنون، مثلما حدث لعلماء رياضيات قبله.»
تلقى حالات علماء الرياضيات العظماء الذين أصيبوا بمرض نفسي صدى هائلا لدى صانعي الأفلام والكتاب العصريين. ويتعلق هذا في جزء كبير منه بتحيزات الكتاب (المخرجين أنفسهم) واستعدادهم لتقبل هذه الأمور، التي هي بدورها وظائف لما يمكن أن تسميه القالب النمطي الخاص لعصرنا. وبالطبع، غني عن القول أن هذه القوالب تتغير مع مرور الزمن. وبأشكال عدة، يماثل الآن عالم الرياضيات المريض نفسيا ما كان يمثله الفارس الهائم والقديس الذليل والفنان المعذب والعالم المجنون للعصور الأخرى: شكل من العملاق بروميثيوس الذي ذهب إلى أماكن محرمة وعاد بهدايا وهبات يمكننا جميعا استخدامها، ولكنه وحده من دفع ثمنها. يبدو هذا على الأرجح تشبيها مبالغا فيه بعض الشيء، ولو في معظم الحالات على أقل تقدير.
2
Unknown page