86

كن صحابيا

كن صحابيا

Genres

مفهوم السنة وضرورة اتباعها والتمسك بها السنة: هي الطريقة، يقال: سنة فلان. أي: طريقة فلان في الحياة، سواء كانت هذه الطريقة محمودة أم مذمومة، ومعلوم أن طريقة الله وسنته محمودة، أما من كانت طريقته سيئة فسنته مذمومة، وتأمل قول الله ﷿ في كتابه: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال:٣٨]، فسنة الأولين: التكذيب لأنبيائهم، فكان العذاب والهلكة لهم، يقول الرسول ﷺ في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن جرير بن عبد الله ﵁ وأرضاه: (من سن في الإسلام سنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء). والمعنى: أن أي شخص عمل شيئًا حسنًا وقلدته الناس في ذلك، فإنه يأخذ مثل أجورهم، مع عدم نقصان أجورهم، ونفس الأمر إذا عمل الرجل شيئًا سيئًا. ولذلك فإنه من الخير العظيم أن المسلم عندما يقلد النبي ﷺ فيقلده أناس آخرون، فإن ذلك يضاف إلى حسناته، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. إذًا عندما نقول: سنة الرسول ﷺ. فإننا نقصد بذلك: طريقته ومنهجه وأسلوبه في الحياة، لا نقصد السنة التي بمعنى النوافل، والتي تعد أحد الأحكام التكليفية الخمسة عند الفقهاء: الواجب، والحرام، والسنة، والمكروه، والمباح، وإنما نقصد السنة عند علماء أصول الفقه، وأصول التشريع، وأصول الحديث، إذ إنهم عرّفوا السنة بقولهم: هي كل ما نقل عن الرسول الله ﷺ من قول أو فعل أو تقرير. فأي شيء نقل عن النبي ﷺ فهو سنة، سواء كان فرضًا أو نفلًا، لا فرق في ذلك. فقولهم: (من قول) أي: أي كلمة تكلم بها النبي ﷺ، فمثلًا: قوله ﷺ (إنما الأعمال بالنيات)، وقوله: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) وغيرهما من الأحاديث التي ينطبق عليها أنها من قوله ﷺ. وقولهم: (أو فعل) أي: ما نقله الصحابة عن رسول الله ﷺ من أفعال فعلها، فمثلًا: أداء الصلاة، فقد كان ﷺ يصلي الظهر أربعًا، يقرأ في كل ركعة بالفاتحة، ويركع ويسجد، وعند ركوعه يقول: الله أكبر، وعند الرفع يقول: سمع الله لمن حمده، وهكذا ينتقل من فعل إلى فعل، فهذه الأفعال منها ما هو فرض ومنها ما هو نافلة، لكن كلها تدخل تحت أفعال النبي ﷺ، وكلها سنة من سنن الرسول ﷺ. وقولهم: (أو تقرير) أي: أي شيء أقره الرسول ﷺ، بمعنى: أن الصحابي إذا عمل عملًا وعلمه الرسول ﷺ وسكت عنه واستحسنه صار ذلك سنة؛ لأنه ليس من الممكن أن يسكت النبي ﷺ عن باطل أو يستحسنه. إذًا: كل كلمة خرجت من فمه ﷺ، وكل حركة تحركها، وكل سكنة سكنها، وكل ابتسامة ابتسمها، أو غضبة غضبها ﷺ، وكل أمر حصل أمامه أو علمه وسكت عنه صار سنة يقتدى به، وكل أمر حدث أمامه أو علمه ونهى عنه صار عكس السنة، أي: يكون منهيًا عنه؛ ولذا فإن المسلم مطالب بأن يعرف كل حياة الرسول؛ حتى يصير متبعًا له ولسنته ﵊. وهناك أمر لم يحدث في حياة أي إنسان على وجه الأرض إلا في حياة رسول الله ﷺ، ألا وهو أنه ليس في حياته مطلقًا أي سر، فكل حياته مكشوفة أمامنا، وذلك من أجل أن نتعلم كيف يمكن أن نقتدي به ﵊، وكيف يمكن أن نقلده، ولعل هذا هو إحدى الحِكَم التي من أجلها تزوج الرسول ﷺ بإحدى عشرة زوجة، مع أنه ﵊ لم يجمع أكثر من تسع في وقت واحد، لكن هذا العدد من الأزواج استطاع أن ينقل لنا كل صغيرة وكبيرة في حياته ﷺ الشخصية وغيرها، فقد كن معه في البيت، ونقلن لنا كل ما كان يعمله في بيته، ولو كانت زوجة واحدة لما استطاعت أن تنقل لنا كل هذا الكم الهائل من المعاملات، وكل أموره الشخصية التي تجري في بيته، لذا شاء الله ﷿ أن تكون حياة نبيه كاملة مكشوفة للأمة؛ لأن كل حركة في حياته ستكون مفيدة في شيء ما، وبذلك لم يعد يوجد أي أمر أو خبر في حياة الرسول ﷺ مخفيًا عنا، وصدق الله إذ يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:٢١]. إذًا: فسنة الرسول ﷺ هي الحياة بأسرها، فله سنةٌ ﷺ في كيفية الاعتقاد في الله ﷿، ولا بد أن نعتقد في الله كما علمنا رسول الله ﷺ، ولو خرجنا عن طريقه لضللنا. وله سنة في الشعائر، كالصلاة، والزكاة، وال

9 / 3