133

كن صحابيا

كن صحابيا

Genres

مسارعة أبي لبابة إلى التوبة بعد إفشائه لسر رسول الله عند بني قريظة تعالوا لنرى موقفًا يوضح لنا هذه الصورة السريعة في التوبة إلى الله ﷿: قصة أبي لبابة بن عبد المنذر ﵁ وأرضاه، وذلك عندما خانت ونقضت بنو قريظة العهد مع رسول الله ﷺ -في غزوة الخندق- قرر أن يذهب إليها ويحاصرها، وبالفعل حاصر بني قريظة خمسة وعشرين ليلة متصلة حتى أصابهم اليأس والفزع، فطلبت بنو قريظة من رسول الله ﷺ أن يرسل إليهم رجلًا ليتفاوض معهم، بل واختاروا هم أبا لبابة بن عبد المنذر ﵁ وأرضاه، لأنه كان حليفًا لهم في الجاهلية، وهو من قبيلة الأوس من الأنصار، ولظنهم أنه سيشفق عليهم ويرحمهم، بل وسيشفع لهم عند النبي ﷺ. بينما الرسول ﷺ كان قد عزم على أن يقتل بني قريظة جميعًا؛ لأنهم أقدموا على خيانة عظيمة جدًا، إذ كانوا سيدخلون قريشًا إلى المدينة ليستأصلوا كل من فيها، فكان الجزاء من جنس العمل، لكن عندما طلبوا أبا لبابة من أجل أن يذهب إليهم للتفاوض معهم نبهه الرسول ألا يخبرهم بقراره لأنهم لو عرفوا القرار فإنهم لن يفتحوا الأسوار وسيضطر المسلمون لمحاصرتهم لفترة طويلة، ومعلوم أن حصون بني قريظة كانت حصونًا كبيرة جدًا، وفيها الغذاء والماء، ويمكن أن يطول الحصار شهرًا وشهرين، بل شهورًا، فذهب أبو لبابة رضي الله عه وأرضاه إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وأخذت النساء والصبيان في البكاء، فرق لهم عندما رأى ذلك الموقف، فقالوا له: يا أبا لبابة! أترى أن ننزل على حكم محمد ﷺ، فقال: نعم، لكنه أشار إلى حلقه، يعني: أن جزاءهم الذبح، وكأنه يقول لهم: إن الرسول ﷺ عازم على ذبحكم، وهنا أفشى سر الرسول ﷺ، وخان العهد مع رسول الله ﷺ، وهذه جريمة كبرى جدًا، وتأمل هنا أيضًا: فهذا الرجل من الأنصار، ومن الصحابة الثابتين في الإسلام، والعظماء في التاريخ الإسلامي، وله تاريخ فيما سبق وفيما لحق، لكن سبحان الله فإن النفس ضعيفة، فهو قد أخطأ في لحظة ووقع فيما قد لا يقع فيه كثير من المسلمين. يقول أبو لبابة ﵁: فوالله مازالت قدماي من مكانهما حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، وهنا عرف أنه قد أذنب ذنبًا كبير جدًا، لكن ما هو الحل؟ التوبة من قريب، فانطلق أبو لبابة ﵁ مباشرة على وجهه، ولم يأت رسول الله ﷺ، بل ذهب إلى مسجد رسول الله صلى الله وربط نفسه في عمود من أعمدة المسجد وقال: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت، يعني: أنه ربط نفسه في سارية من سواري المسجد، وقرر أنه لا يفك نفسه حتى يفكه رسول الله ﷺ بنفسه، وكان من الممكن أن يكتم هذا الخبر، لأنه لا أحد يعرف هذا الأمر غير اليهود، لكنه عرف أنه قد ارتكب ذنبًا عظيمًا، وأنه لابد عليه أن يتوب من هذا الذنب، ولأنه علم أن فرصته في التوبة هي في الدنيا، ولو مات قبل أن يتوب الله عليه لذهبت الفرصة، ولذلك قيل أنه قد نزل قول الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال:٢٧]. وعندما وصل الخبر إلى رسول الله ﷺ، وعلم أن أبا لبابة قد عمل هذا العمل، وأنه ﵁ قد ربط نفسه في إحدى سواري المسجد، وأقسم على أن لا يبرح هذا المكان حتى يتوب الله عليه، ومع هذا العقاب الشديد لم يفكر ﵁ أبدًا في صورته أمام الناس، ولم يشغله ذلك، في هذا الوقت الذي أصبح مفضوح الذنب أمام الناس، بل ولم يكن همه صورته حتى أمام رسول الله ﷺ، ولم يكن يهمه الآن الأعمال التي انقطع عنها، بل كان همه الأعظم أن يتوب الله ﷿ عليه، ولذلك قال الرسول ﷺ لما وصله خبره: (أما إنه لو جاءني لاستغفرت له)، رحمة مهداة ﷺ، أي: لو كان جاء إليَّ قبل أن يربط نفسه لسامحته ولاستغفرت له، لكن مادام أقسم أنه لن يفك نفسه حتى يتوب الله عليه، فلن أستطيع أن أذهب إليه حتى تنزل التوبة من الله ﷿، يقول ﷺ: (فأما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه)، يعني: ما دام أنه ربط نفسه، وقد ظل أبو لبابة محبوسًا بالقيد لمدة ستة أيام متوالية، وامرأته في وقت كل صلاة تفك القيد عنه حتى يصلي، ثم تقوم بإعادة القيد عليه ألم شديد في النفس، وأوبة سريعة إلى الله ﷿، وتوبة صادقة من ذنب كبير، وبعد مضي الستة الأيام نزلت توبة الله على أبي لبابة بن عبد المنذر ﵁ وأرضاه، نزلت التوبة على رسول الله صلى عليه وسلم وهو في بيت أم المؤمنين أم سلمة ﵂، تقول أم سل

12 / 5