توقف ضرب العملات البطلمية الذهبية لبضع سنوات قبل اعتلاء كليوباترا الحكم، ولم تستأنفه كليوباترا. بدأت الملكة تطبيق تغيير مهم بتخفيض قيمة العملة الفضية في أوائل فترة حكمها. ويقال إن هذا التعديل جعل العملة المصرية الفضية مساوية للدينار الروماني القديم. ومع ذلك، أعيد صنع العملات البرونزية في دار سك العملات الملكية في الإسكندرية (ووكر وهيجز 2001: 177). تظهر صور العملات كليوباترا على أنها حاكمة إغريقية، وعادة ما تظهر وحدها على العملات التي تضرب في مصر. تتفاوت أنواع الصور طوال فترة حكمها وتضم صورة أكثر نضجا لها ترتبط بتمثيلها على العملات في الخارج في الجزء الأخير من حكمها (ووكر 2003د). يشير هذا إلى ضعف الوضع الاقتصادي في مصر؛ ولم يكن ذلك خطأ كليوباترا وحدها. فقد اقترض والدها مبالغ كبيرة من الرومان من أجل تأكيد سلطته والحفاظ على مكانته كملك لمصر. (10) يوليوس قيصر
كما أشرنا سابقا، كتب يوليوس قيصر يحكي عن لقائه بكليوباترا في السياق العام لقصته عن حملته. لا توجد في أي موضع من رواياته أية إشارة إلى الملكة بصفة شخصية أو لعلاقته معها. اشتهر القيصر بعلاقاته النسائية، وفي حالة كليوباترا فقد وجد امرأة تتمتع بسلطة تفوق تصور النساء في روما في ذلك الوقت. نحن نعتمد بالكامل على المصادر التاريخية التي ظهرت في وقت لاحق من أجل الاطلاع على وصف لعلاقة قيصر بكليوباترا، والمراجع التي تشير إلى هذه العلاقة أقل بكثير من المراجع الموجودة عن علاقتها بمارك أنطونيو. يرجع السبب في هذا إلى حد كبير إلى حملة أوكتافيان ضد الثنائي الأخير. فقد كان من غير المحتمل أن يحظى نقد يوليوس قيصر، «والد» أوكتافيان بالتبني، بدعم من الإمبراطورية.
في كتاب بلوتارخ «حياة يوليوس قيصر» تظهر كليوباترا في الفصل رقم 48، حيث يقول بلوتارخ إن بعض الناس كانوا يعتقدون أن اشتراك القيصر في الحرب في مصر كان نتيجة لهيامه بكليوباترا. يذكر لنا بلوتارخ أن كليوباترا قد طردت من مصر، وفي الفصل 49 (حياة القيصر) يصف عودة كليوباترا الشهيرة بمساعدة أبولودوروس الصقلي، الذي أخذ الملكة في قارب صغير ورسا به عند القصر وخبأها في جوال، وليس في سجادة كما صار سائدا فيما بعد (ووكر وأشتون 2006: 41-42). ومن الواضح أن هذا اللقاء كان ناجحا فقد أصبح يطلق على كليوباترا مرة أخرى حاكمة مشتركة لمصر. كانت في الثانية والعشرين من عمرها، وكان أخوها، الذي ولد عام 61 قبل الميلاد (هولبل 2001) في العاشرة من عمره، وكان حبيبها يوليوس قيصر أكبر منها بثلاثين عاما.
تناول بعض الكتاب الرومان مشاعر قيصر تجاه كليوباترا؛ فقد كان قيصر يحب كثيرا من النساء، لكن يخبرنا أحد المؤلفين أنه «كان يحب كليوباترا على وجه الخصوص، التي كان يطيل معها ما يقيمه من حفلات حتى بزوغ الفجر، وقد سافر معها في القارب الملكي إلى داخل مصر، وكان سيصل إلى إثيوبيا لكن جيشه رفض أن يتبعه. وبالإضافة إلى ذلك، رحب بها في روما ولم يسمح لها بالعودة إلى وطنها إلا بعدما أغدق عليها بالألقاب الشرفية والهدايا» (سويتونيوس، «يوليوس قيصر المؤله» 52).
أشار كتاب رومان آخرون إلى هذين الحدثين؛ فيقال (أبيان، «الحروب الأهلية» 2. 98) إن موكب كليوباترا وقيصر كان يتكون من 400 سفينة في رحلتهما عبر نهر النيل. بهذه الطريقة استطاع قيصر التأكيد على سلطته وتمكنت كليوباترا من إظهار بلدها وثراءها وسلطتها للرومان. ويمكن تفسير حقيقة إقامة يوليوس قيصر احتفالا بالنصر عند عودته إلى روما (أبيان 2. 102) على أنها دليل على سياسة التدخل التدريجي في مصر التي ستسيطر بها روما على البلاد فيما بعد. (11) في روما
كان الموقف الذي وجدت الملكة نفسها فيه عام 46 قبل الميلاد فريدا من نوعه حتى بالمعايير الحديثة. فقد كانت الملكة مع ابنها غير الشرعي من يوليوس قيصر و«زوجها» وأخيها بطليموس الرابع عشر ضيوفا عند قيصر، ويعتقد البعض أن هذا كان في فيلته في هضبة إسكولاين (ديو، التاريخ الروماني 43. 27. 3). هذا ويقال إن كليوباترا قامت بعدد من الرحلات إلى روما بين عام 46 قبل الميلاد ومقتل يوليوس قيصر في شهر مارس من عام 44 قبل الميلاد، بدلا من الإقامة هناك باستمرار (جروين 2003: 257-274). ويبدو هذا الترتيب بوجه عام أكثر حكمة في ظل قابلية حدوث شغب في الإسكندرية في أثناء غياب الحاكم.
بالتأكيد لم تكن كليوباترا محبوبة من الغالبية العظمى من الرومان. وربما كان أكثر النقاد المعاصرين لها ثباتا على موقفه منها هو شيشرون («أتيكاس»). تظهر الملكة في ستة من خطابات هذا الكاتب الخاصة. وعادة ما تكون الظروف التي تذكر في سياقها غير مفهومة بالكامل. كتبت هذه الخطابات بين شهري أبريل ويونيو من عام 44 قبل الميلاد؛ ومن ثم كانت بعد وفاة يوليوس قيصر. على عكس كثير من المصادر، تظهر هذه الخطابات رأيا شخصيا وخاصا عن الملكة، لكنه رأي عبر شيشرون عنه صراحة أمام مجلس الشيوخ. كان كثير من إشارات شيشرون غامضا، وهو ما يرجع ببساطة إلى أن الردود على مراسلاته لم تكتب لها النجاة.
جاءت إشارة إلى مغادرة كليوباترا لروما («أتيكاس» 14. 8. 1) في خطاب كتب في 16 أبريل عام 44 قبل الميلاد. كتب شيشرون: «إن هروب الملكة لا يضايقني» (لاسي 1986: رقم 362). في أحد الخطابات (14. 20. 2)، كتب في مدينة بوتسوولي في 11 مايو عام 44 قبل الميلاد، يعلق شيشرون على شائعة لا بد أن أتيكاس أشار إليها عندما كتب إليه: «أتمنى أن تكون صحيحة عن الملكة وقيصرها هذا أيضا.» إن طبيعة هذه الشائعة ليست معروفة (لاسي 1986: رقم 374، 239 رقم 8). بعد مرور أسبوع أخبرنا في خطاب كتب في مدينة بوتسوولي في 17 من مايو عام 44 قبل الميلاد (15. 1. 15): «بدأت الشائعة حول الملكة تتلاشى.» في 24 مايو كتب شيشرون: «تمنيت لو كان الأمر صحيحا بشأن مينيديموس، وتمنيت أن يكون هذا الأمر صحيحا عن الملكة» (لاسي 1986: رقم 381)، مشيرا إلى أن الأمر كان مجرد شائعة. يرجع أشهر مراسلات شيشرون التي يشتكي فيها من الملكة ومستشاريها إلى منتصف شهر يونيو عام 44 قبل الميلاد (14. 15. 2): «إن تذكر غطرسة الملكة نفسها عندما كانت تعيش في ضيعة على الجانب الآخر من نهر التيبر يجعل الدماء تغلي في عروقي؛ لذلك أنا لا أريد التعامل معهم ... فأنا أكره الملكة. يعرف أمونيوس، الذي ضمن وعودها، أن لدي الحق في ذلك. [أما فيما يتعلق بالكتب] فقد كانت من النوع الأدبي وتليق بمكانتي، ولا مانع لدي من الإعلان عنها في اجتماع عام. أما بشأن سارا، فبالإضافة إلى وقاحته العامة، أنا شخصيا أعتقد أنه متغطرس أيضا. فأنا لم أره إلا مرة واحدة فقط في منزلي ...» (لاسي 1986: 393). ويقال (لاسي 1986: 263) إن سارا ربما يكون اختصارا لسارابيو الذي كان مستشارا لوالد كليوباترا بطليموس الثاني عشر، والذي ساعد يوليوس قيصر عام 48 قبل الميلاد ضد أعدائه (قيصر، «الحروب الأهلية» 3. 109. 4)، وأصبح نائب كليوباترا في قبرص عام 43 قبل الميلاد. من الواضح أن كليوباترا لم تكن تعيش في روما في ذلك الوقت. وجاءت إشارة إلى خروجها من المجتمع الروماني؛ ومن ثم بعدها عن الموضوع الرئيسي للخطابات في آخر موضع ذكرت فيه كليوباترا؛ ففي 14 يونيو عام 44 قبل الميلاد (14. 17. 2) كتب شيشرون: «أنا سعيد أنك لست قلقا على الملكة وأنك توافق على كلامي» (لاسي 1986: رقم 394). (11-1) الأدلة الأثرية على وجود كليوباترا في روما
سنتحدث في الفصل الأخير من هذا الكتاب عن تراث كليوباترا الذي تركته للرومان. ومع ذلك، توجد آثار تدل على زيارة الملكة روما في حياة يوليوس قيصر؛ فيظهر تمثال لكليوباترا وضعه قيصر بجوار صورة فينوس في معبد فينوس جينتريكس (أبيان، «الحروب الأهلية» 2. 102) لفتة مميزة. عندما كان أبيان يمارس مهنة الكتابة في القرن الثاني الميلادي كان التمثال ما يزال في مكانه. نحن لا نعلم شيئا عن شكله، لكن يقال إنه كان يظهر كليوباترا في شكل فينوس/أفروديت وأن نسخا مقلدة منه لا تزال موجودة. يقال دوما إن التماثيل التي تكون مصحوبة بثعابين هي نسخ لتمثال كليوباترا الروماني. ومع ذلك، فإن إضافة المرممين ثعبانا إلى تماثيل السيدات العراة القديمة لا يسهل على الإطلاق مهمة التعرف على هوية التمثال (هيجز 2001: 202). وسنتحدث عن وجود ثعبان على تمثال كليوباترا الذي نقل في موكب الاحتفال بنصر أوكتافيان في الفصل الثامن. لا يوجد سبب آخر يدفعنا إلى الاعتقاد أن تمثال كليوباترا الذي كان موجودا في معبد فينوس جينتريكس كان به ثعبان؛ ففي تلك الفترة كان يتبقى 15 عاما على وفاة كليوباترا، كما كانت في موقف سياسي قوي.
تتمثل المشكلة، كما هو الحال دوما مع كليوباترا، في أننا لا نعرف إلا القليل جدا عن أحوالها في أثناء زيارتها روما، فلا يمكننا أن نقول يقينا إن القيصر بطليموس الخامس عشر كان قد ولد بالفعل، ولكننا نعلم أن كليوباترا لا بد أنها كانت حاملا في شهر مارس عام 44 قبل الميلاد عندما قتل القيصر. فربما كان هذا الجانب المتعلق بأمومتها هو ما أرادت التأكيد عليه في أثناء الوقت الذي أمضته في إيطاليا.
Unknown page