9
إنه القلم الإلهي المبدع الحكيم هو الذي صور ولون وافتن ما شاء؛ فإن رزقت امرأة جلدة جميلة مشرقة كأنما تجري فيها الشمس، وألبست أخرى جلدة قبيحة سفعاء
10
تجول فيها رهبة الظلمة؛ فكلتاهما صورة من صنع الله، وكلتاهما تظهر لونا من ألوان الحكمة، وكلتاهما جاءت لمعنى، وكلتاهما بعد غشاء زائل على وضع ثابت لا يختلف في هذه ولا في تلك؛ وضع الحقيقة الجسمية التي تحمل الحياة بأدواتها الكثيرة، والحياة لا تعرف البشرة إلا غطاء على ما وراءها اسود وابيض، وكان من لون المرمر أو من هيئة الطين.
ولو أن كل وجه في نساء الدنيا خلق دميما نافرا على أبشع ما نتصوره من القبح، لكان كل نساء الدنيا جميلات؛ إذ يألف الطبع الإنساني تلك الصورة الواحدة، ويتقرر بها الذوق في الجمال، وتستمر بها العادة فلا يستبين وجه من وجه آخر في صفة، ولا يخالف مذهب مذهبا في حالة.
ولكن هذا الإنسان كتب عليه الشقاء؛ فخلق وخلق معه ما يطغيه وما يستفزه وما يخرجه عن طوقه، كما خلق له ما يزهده وما يطمئن به وما يحصره في إنسانيته؛ فالجميلات والقبيحات كلهن سواء في أنهن نساء هذه الإنسانية، لا تقصر في ذلك واحدة عن واحدة، وإنما يتفاوتن في أسباب الشقاء الإنساني الذي يبتلي الرجل بالمرأة ويمتحن المرأة بالرجل.
ولو سما عقل الرجل إلى الغاية العليا من كماله لرأى المرأة الجميلة الفاتنة في نصف جمال المرأة القبيحة، ولبانت الواحدة عنده من الأخرى بأن الدميمة مهيأة في نفسها لمعالي الأخلاق، والجميلة مهيأة لسفسافها،
11
ولرأي مع هذه من بعض طباعها ونزغاتها شرا مما تقدم بها من جمال وجهها، ومع تلك من أكثر طباعها وصفاتها خيرا مما قصر بها من حسن صورتها.
بيد أن من شقوة الطبع الإنساني أنه سخط القبح فأحاله فسادا، وعبد الجمال فأحاله فسادا من نوع آخر؛ إذ كان في نفرته وحبه لا يعتبر المنافع والحقائق، ولكن الأهواء والشهوات، والمنفعة والحقيقة كلتاهما لا تكون إلا في قيودها، أما الأهواء والشهوات فهي دائما لا تقع إلا متخطية حدود العقل؛ إما إلى النقص وإما إلى الزيادة، ولا تغرى بشيء إلا أوقعت به السوء؛ إذ لا يستوي في القصد ما خرج عن الحقيقة وما هو مقيد بالحقيقة. •••
Unknown page