والإنسان في غضبه حاكم غير منصف، يبالغ في الشيء ويسوئه، فهو كواضع على عينيه منظارا يكبر ويشوه، وهو لا يرى وقت غضبه إلا الأغلاط، ولذلك تراه يحكم حتى على أعز الناس عليه أحكاما قاسية، والواجب أن نتريث ونسائل أنفسنا هل نحن محقون في غضبنا؟ أو ليس لما عمل أو قيل محمل حسن؟ هل الشىء يغضب حقيقة بالقدر الذي أرى؟ أو ليس لمن أغضبني حسنات كثيرة بجانب هذه الإساءة؟
واجب ألا نستسلم للغضب، وأن نسلم زمام انفعالاتنا لعقلنا. (2)
ضبط النفس عن الإسترسال في الإنقباض والسخط:
لأن ذلك يكدر صفو الحياة، وفي الناس كثير من هؤلاء المتشائمين الساخطين الذين يرون أن لا أسوأ من هذا العالم، وأن لذائذه لا تكاد تذكر بجانب آلامه، وحامل لواء هذا المذهب في العصور الحديثة «شو بنهور» الفيلسوف الألماني (1788-1860م) كان يرى أن حياة الإنسان سلسلة آلام ونزاع وكفاح، وأن هذا العالم أسوأ ما يكون، فيه من الآلام والشرور أكثر مما فيه من اللذائذ.
وأغلب ما يكون هذا النظر عند من ضعفت صحتهم، أو ساءت أعصابهم، أو توالت عليهم المصائب من موت أو فقر أو نحوهما، فتظلم الدنيا في أعينهم، ولا يرون فيها إلا ما يؤلم، أحب الشعر إليهم أمثال شعر أبي العلاء، وخير نغمات الموسيقى عندهم ما يبعث على البكاء.
ويظهر أن هؤلاء قد قصرت مشاعرهم عن إدراك ما في العالم من ملذات، فمثلهم كمثل عمي الألوان، الذين يدركون بعضها دون بعض، والحق أن الدنيا مملوءة بالمسرات والمؤلمات جميعا «ولولا سوء النظم الإجتماعية الحالية وفساد التربية الموجودة لكانت السعادة حظ أكثر الناس إن لم أقل كلهم».
إن الناس يخطئون في اعتقادهم أن ما يحيط بالإنسان من الأمور الخارجية هي التي تجعله ساخطا أو راضيا، بائسا أو منعما، نعم إن الإنسان قد يكون أقدر على السعادة في بعض الظروف دون بعض، ولكن الظروف نفسها لا تجعله سعيدا، فكثيرا ما تتوافر وسائل السعادة عند قوم وهم مع ذلك أشقياء بأنفسهم، لأنهم يخلقون من كل شىء ما يستوجب السخط، ويلونون كل ما يرون باللون الأسود.
إن السعادة أو المسرة تعتمد على أنفسنا أكثر مما تعتمد على الظروف الخارجية، ويجب أن يتعلم الإنسان «فن المعيشة» وكيف يكون راضيا ولو لم يكن كل شيء حوله وفق ما يتمنى. (3)
ضبط النفس عن الإسترسال في الشهوات الجسمية:
ولا سيما الخمر والنساء، فهما شر ما يقع فيه الإنسان، ويفسد عليه حياته، ويضعف من روحانيته، ويقلل من حريته، ويسوقه إلى أسوأ حياة، وطريق الإحتياط لذلك عدم التعرض للمغريات، فلا يجالس المستهترين الذين لا يتحرجون من قول الهجر والحض عليه، ولا يقرأ الروايات المثيرة، ولا يغشى أماكن اللهو غير المؤدب، يصحب من قويت شخصيتهم ونظف لسانهم، وطهر روحهم، وأوجب ما يكون ذلك في السن بين الخامسة عشر والخامسة والعشرين، ففيها تنمو الشهوات وتبعث على الشرور، فلو لم يحصن الشاب بوسط صالح ورفقة مؤدبة، ويعن بما يوضع في يده من كتب، وما يشاهد من تمثيل، وما يغشى من مجتمعات كان عرضة لأحط أنواع الشرور، في هذه السن يكون المرء عرضة للتحول، وأكثر ما ساءت حالهم وفسدت أخلاقهم كان فسادهم في هذا الدور، وقل أن يسقط أحد بعد أن ينجو منه. (4)
Unknown page