الحرية المدنية. لا يتمتع الفرد بهذا النوع من الحرية إلا إذا كان في أمة قد بلغت حظا من المدنية، فالأمم المتبدية - حيث لا يأمن الفرد فيها على نفسه من القتل أو السرقة أو مصادرة أملاكه - لا تتمتع بالحرية المدنية، فإذا تقدم الناس في الحضارة أصبح لكل فرد في الأمة الحق أن يدافع عن نفسه أمام القضاء، وأمن أن يسجن أو يحبس أو يعاقب أية عقوبة إلا إذا حكم عليه بمقتضى قانون البلاد، ولا يصح أن يتعدى عليه في غير هذه الحالة، ولا أن يكون ضحية لطمع كبير، أو انتقام حاكم كما كان الشأن قبل رقي الإنسان، وهذا النوع من الحرية يشمل:
حرية الرأي:
ونعني بها أن يكون كل إنسان حرا في الحكم على الأشياء بما يعتقد أنه الحق، فليس الإجتهاد والتفكير والحكم على الاشياء بأنها صواب أو خطأ من حق طائفة خاصة، بل من حق كل فرد أن يقول أو يكتب ما يراه صوابا - في أدب من القول، بعد أن يتثبت منه ويقوم عنده البرهان على صحته - وإن خالف العظماء والعلماء، ذلك لأنه لا يعرف أحد من الناس كل الحق، ونحن إذا منعنا الناس من أن يقولوا ما يعتقدون حرمنا ما قد يكون في قولهم من رأي صائب أو فكرة حقه، ولهذا يجب أن نسمح لكل فرد أن يكتب أو يقول ما يراه حقا ثم تتطاحن الآراء صحيحها وفاسدها حتى يتغلب الحق ويتجلى للناس.
النوع الرابع:
الحرية السياسية. ونعني بها أن يكون للإنسان نصيب في حكم بلاده، فالأمة إذا كان ممثلوها هم المشرعين لها والمديرين لشؤونها قيل: إنها تعمل حسب ارادتها، وهذا هو معنى الحرية، أما إن كان يشرع لها ويأمرها من لم يمثلها لم تكن تعمل حسب ارادتها بل هي مضطرة مجبرة، والجبر ينافي الحرية.
وقد ثبت هذا الحق «حق الحرية» للإنسان لأنه لا يستطيع أن يكمل نفسه ويرقي أخلاقه ويصل إلى غايته إلا إذا كان حرا. •••
وقد تأخر الناس في فهم هذا الحق حتى بعد أن فهموا حق الحياة، فقد ظل الرق فاشيا بعد أن كف الناس عن قتل أسرى الحرب ووأد البنات، ولم يبطل الرق إلا في القرن الماضي، والآن بعد أن ألغي الرق لم يتمتع العالم بأنواع الحرية الأخرى كما ينبغي، فأمم عدة لا تزال تجاهد لنيل استقلالها، وكذلك النوعان الآخران من الحرية أعني الحرية المدنية والسياسية فهما، مع اختلاف الأمم في درجة التمتع بهما لم يبلغا الدرجة القصوى المنشودة لهما.
وهذا الحق أيضا يستلزم واجبين: واجبا على الناس والحكومات أن يحترموا حق الفرد في الحرية، فلا يتدخلوا في شؤونه إلا للمصلحة العامة وعند الضرورة، فالحكومات لا تقوم بواجبها إن كانت تحجر على الصحف والكتب أن تطبع حتى يجيزها الرقيب إلا في أحوال استثنائية كحالة الحرب، والأفراد لا يؤدون واجبهم إذا كانوا لا يسمحون لخطيب أن يخطب إلا إذا كان يرى رأيهم، ويقول بلسانهم، ولا يبيحون لكاتب أن يكتب ولا صحيفة أن تنشر إلا ما يوافق مذهبهم، إنما يؤدون واجبهم يوم يكون القول حرا؛ والنقد المؤدب حرا، والحجة وحدها هي وسيلة الاقناع.
يجب أن يستشعر المرء أنه حر، وأن الناس أيضا أحرار، فكما أن له حقا أن يكون حرا عليه واجب أن يحترم حرية الآخرين، يجب أن ينضم إلى شعور الشخص بأنه حر وأنه سيد نفسه شعور بأنه ليس يعيش وحده ، ولكنه عضو في جمعية، وأنه مسئول عن حرية هذه الجمعية، ومن مميزات الأمم الراقية نماء هذين الشعورين في أفرادها وتعادلهما، أعني الشعور بالحرية والشعور بالمسئولية. والواجب الآخر واجب على ذي الحق نفسه وهو أن يستعمل حريته في خيره وخير الناس، ومن أساء استعمالها كان خليقا أن يسلبها، قال ملتن: «من يتعشق الحرية يجب أن يكون قبل طيبا حكيما» فليست الحرية تشرى أو تمنح، ولكن تكسب بالعمل لنيلها وحسن الإستعداد لها. (2-3) حق الملك
يكاد يكون حق الملك جزءا مكملا لحق الحرية، فإن الإنسان لا يستطيع أن يرقي نفسه كما يشاء إلا بملك الوسائل.
Unknown page