ودنا الرجل من الشخص المتخفي في دثار من الكتان وأزاح عنه الستار، فبدت امرأة عارية إلا من غلالة على وسطها، بيضاء صافية كالنور، يهفو حول هامتها شعر كأسلاك الذهب، ويلوح في وجهها الفاتن الحنق والغضب والكبرياء، فبهت أحمس، ونظر إليها ونظرت إليه فبدا الانزعاج على وجهه، وبدت على وجهها دهشة محت ما كان يلوح فيها من الغضب والحنق والكبرياء وتمتم بصوت غير مسموع وهو لا يفيق: الأميرة أمنريدس!
وخلع حور عباءته ودنا من المرأة وألقاها عليها، وصاح أحمس برجاله: لماذا تمثلون بهذه المرأة؟
فقال زعيم القوم: إنها ابنة كبير السفاكين أبوفيس.
وأدرك أحمس حرج موقفه بين القوم الغاضبين المتعطشين للانتقام، فقال: لا تمكنوا للغضب من أنفسكم أن يفسد عليكم آدابكم المقدسة، فالفاضل حقا من يستمسك بفضيلته حين ثورة الوجدان ونزوة الغضب، وأنتم قوم يحترمون النساء ولا يقتلون الأسرى.
فقال رجل من القوم موتور: يا حامي المصريين، إن شفاء صدورنا في إرسال رأس هذه المرأة إلى أبوفيس.
فقال أحمس: هل تحثون مليككم على أن يكون كأبوفيس سفك دماء وقتل نساء؟ .. كلوا الأمر لي وانصرفوا بسلام.
فسجد القوم لفرعون وانصرفوا، ونادى الملك أحد ضباط حرسه وأمره بصوت خافت أن يمضي بالأميرة إلى سفينته الفرعونية، وأن يحوطها بالعناية.
وكان الملك يكابد ثورة في القلب والنفس فلم يحتمل القعود، فأصدر أمره إلى قواده بدخول طيبة على رأس الجيش دخول الظفر والنصر، ولما تحول إلى حور وجده يرمقه بعينين قلقتين حائرتين مشفقتين.
15
وخلا الميدان، فاتجه الملك نحو النيل يتبعه حرسه، وكان يحث سائقي عجلته على السرعة ويغرق في الأحلام والأفكار، أي صدمة تعرض لها قلبه اليوم! أي مفاجأة كابدها وعاناها؟ ولم يكن يدور بخلده أنه سيلقى أمنريدس مرة أخرى فمني باليأس منها، وتمثلت له كحلم أضاء ليله ساعة ثم ابتلعته الظلماء، ولكنه رآها مرة أخرى على غير انتظار أو حسبان، ألقت بها المقادير إلى رحمته فغدت بغتة في ملكه الخاص، لشد ما اضطرب صدره وخفق قلبه، لشد ما تيقظت في نفسه عواطف حارة أحيت من جديد ذكرياته الحلوة، فانغمر في تيارها الحنون ناسيا كل شيء.
Unknown page