وكان أحمس يحس التبعة الخطيرة التي يتحملها بقيادته الجيش لأول مرة في حياته، وشعر بأنه حامي هذا الجيش العظيم والمسئول عن مصير مصر إلى الأبد، فقال لحور: ينبغي أن نوجه قوتنا لتحطيم عجلات الرعاة.
فقال الحاجب: هذا ما سيحاوله كلا الجيشين، وإذا حطمنا عجلات العدو وسيطرنا على الميدان، أصبح الجيش تحت رحمة قسينا.
وفي تلك الساعة وأحمس يتأهب لخوض غمار المعركة، جاء رسول من ناحية النيل وأخبر الملك أن الأسطول المصري تلقى ضربات شديدة، فرأى أحمس إبانا أن يتقهقر بوحداته الأساسية ليعيد تنظيمها، وأن القتال مستمر على أشده، فساور القلق الشاب وأشفق من ضياع أسطوله العظيم، ولم يجد مهلة للتفكير إذ أخبر أن جيش العدو بدأ هجومه، فحيا حور والحاشية وتقدم بحرسه وأمر فرقة العجلات بالهجوم؛ فهجم الجيش في قلب وجناحين اندفعوا صفوفا متراصة في سرعة وجلبة زلزلت الأرض زلزالا، وما لبثوا أن رأوا جيش الرعاة يتقدم منقضا كالريح العاصفة في جموع كثيفة من العجلات، فعلموا أن عدوهم يلقاهم بقواته الوحشية التي طالما سامتهم الخسف، فثار الغضب في نفوسهم وصاحوا بصوت كهزيم الرعد: «حياة أمنمحيت أو ميتة سيكننرع»، وألقوا بأنفسهم في المعركة بقلوب تتعطش إلى القتال والانتقام، فقاتل الفريقان بقوة وقسوة ووحشية، وخضبت الأرض بالدماء، واختلط صياح الجنود بصهيل الخيل وعزيف القسي، واستمر القتال قاسيا عنيفا حتى مالت الشمس نحو الأفق وذابت في بحيرة من دماء، وحلقت في الفضاء أشباح الظلام، فكف الجيشان ورجع كل إلى معسكره، وكان أحمس يسير وسط دائرة من حرسه الذي دافع عنه في أثناء كره وفره، واستقبله رجاله وعلى رأسه حور فقال لهم: كان قتالا عنيفا كلفنا أبطالا بواسل!
ثم تساءل الملك: ألم تجد أخبار عن معركة النيل؟
فقال الحاجب: ما يزال الأسطولان يعتركان. - أما من جديد عن أسطولنا؟
فقال حور: قاتل في أثناء النهار وهو يرتد، ثم التحمت أكثرية السفن مع وحدات العدو بالسلالم فلم تستطع انفصالا حين خيم الظلام، والقتال ما يزال مستمرا وإنا لفي انتظار ما يجد من الأخبار.
فتجهم وجه الملك التعب، وقال لمن حوله: لندع الرب جميعا أن ينصر إخواننا الذين يقاتلون على متن النيل!
6
واستيقظ الجيش مع طلوع الفجر وأخذ في الاستعداد والتأهب، وجاءت العيون بأنباء مهمة فقالوا: إن الحركة لم تسكن طوال الليل في معسكر العدو، وقرر بعض من جازفوا بالتوغل في الحقول المحيطة بميدان القتال أن قوات جديدة من الرجال والعجلات جعلت تتدفق على هيراكونبوليس طوال الليل وأن تدفقها إلى ما قبيل طلوع الفجر، وتفكر حور مليا ثم قال: إن العدو يا مولاي يجمع لنا جل قواته هنا ليلقانا بجيشه كاملا، ولا أعجب لذلك لأننا إذا اقتحمنا أبواب هيراكونبوليس فلن يعوق تقدمنا سوى أسوار طيبة المجيدة!
وجاءت أخبار سارة من جانب النيل، فعلم الملك أن أسطوله قاتل قتال المستيئس فلم يتمكن منه عدوه كما اشتهى، وأنه على العكس طرد جنوده من كثير من سفنه بعد أن وطئتها أقدامهم فاضطر أسطول الرعاة أن ينفصل عنه وقد خسر ثلث قوته، وكف الأسطولان عن القتال ساعات ثم اشتبكا في عراك جديد بعيد مطلع الفجر، وكان أسطول أحمس إبانا البادئ بالهجوم، فانشرح صدر الملك وتوثب للقتال بقلب جذل.
Unknown page