فاهتاج أحمس إبانا غضبا وقال بحنق: ثقوا أن عهد الظلم والعبودية والسوط قد مضى إلى غير رجعة، وأنكم ستعيشون منذ الساعة سادة أحرارا في كنف مليكنا كاموس فرعون مصر الشرعي، وسترد إليكم أرضكم وبيوتكم ويلقى بمن اغتصبوها هذا الدهر في غيابات السجون.
فشمل الفرح النفوس المعذبة، وانتظمتهم صلاة جامعة تصاعد فيها الدعاء إلى آمون في السماء، وكاموس في الأرض.
3
وفي رونق الضحى نزل الملك كاموس وولي عهده أحمس والحاجب حور وأفراد الحاشية جميعا إلى أرض الجزيرة فاستقبله الأهلون استقبالا حماسيا، وخروا سجدا يقبلون الأرض بين يديه، وتعالى هتافهم لذكر سيكننرع ولتوتيشيري وللملك وللأمير أحمس، فحياهم كاموس بيديه، وتحدث إلى جمع غفير من رجالهم ونسائهم وأطفالهم، وأكل ما قدموه له من الدوم والفاكهة، وشرب وحاشيته وقواده أقداحا مترعة بنبيذ مريوط، ذهبوا جميعا إلى قصر الحاكم، وأصدر الملك أمره بتعيين أحد رجاله المخلصين المدعو سمار حاكما على الجزيرة وعهد إليه في نشر العدالة وتطبيق القوانين المصرية، وفي ذلك الاجتماع أجمع القواد على وجوب مفاجأة سيين عند الفجر، لتضرب الضربة القاضية قبل أن تفيق من ذهولها.
ونام الجيش مبكرا واستيقظ قبيل الفجر، ثم زحف نحو الشمال ومعه الأسطول يسد منافذ النيل، فشق الظلماء والنجوم ساهرة يقظى تراقبه بأعين لامعة، والغضب يتأجج في الصدور فتتلهف على الانتقام والقتال، واقتربوا من سيين وقد اختلطت ظلمة آخر الليل بنور الصباح الأزرق الخجول، وشف الأفق الشرقي عن طلائع الشمس، وأصدر كاموس أمره إلى قوات العجلات بأن تزحف على المدينة من الجنوب والشرق تؤيدها قوات من فرقتي القسي والرماح، وأمر أسطوله بضرب الحصار على الساحل الغربي للمدينة، وهجمت القوات على المدينة من ثلاث جهات في وقت واحد، وكان يقود العجلات ضباط قدماء يعرفون المدينة ومواقعها، فوجهوا العجلات نحو الثكنات ومراكز الشرطة، تبعتها قوات المشاة شاكية السلاح فأوقعوا بالعدو مذبحة سالت فيها الدماء أنهارا، واستطاع الرعاة أن يقاتلوا في بعض المواقع فدافعوا عن أنفسهم دفاع اليائس، وتساقطوا كأوراق الخريف اليابسة هبت عليها ريح عاصفة .. أما الأسطول فلم يلق مقاومة ولم يلتق في طريقه بسفن حربية فاستولى على الشاطئ وأنزل قوات من جنوده فهجموا على القصور المشرفة على النيل وقبضوا على أصحابها، وكان بينهم حاكم المدينة وقضاتها وكبار الأعيان، ثم اخترقت القوات الحقول صوب المدينة.
وكانت المفاجأة عاملا فاصلا في المعركة قصر مدتها وكثر صرعاها من الرعاة، فما ارتفعت الشمس في الأفق وأرسلت نورها إلى المدينة حتى رئيت جموع الغزاة وهي تحتل الثكنات والقصور وتسوق الأسرى، وشوهدت الجثث ملقاة في السبل وأفنية الثكنات وقد سالت دماؤها، وذاع في أرجاء المدينة والحقول القريبة أن كاموس ابن سيكننرع اقتحم سيين بجيش جرار واستولى عليها، فاستعرت على الأثر ثورة دموية، وهاجم الأهلون بيوت الرعاة وقتلوهم في مخادعهم، ومثلوا بهم وضربوهم بالسياط ضربا مبرحا، فهام كثيرون على وجوههم فزعين كما فعل المصريون حين زحف أبوفيس على الجنوب بعجلاته ورجاله .. ثم هدأت النفوس وقبض الجيش على ناصية الحال ودخل الملك كاموس على رأس جيشه تخفق على رأسه الأعلام المصرية وتسير بين يديه قوات الحرس بموسيقاها، فهب الأهلون يستقبلونه، وكان يوما مجيدا.
ونقل الضباط للملك أن عددا غفيرا من الشبان - ومنهم من كانوا جنودا في الجيش القديم - يقبلون على التطوع في الجيش بحماسة فائقة، فسر كاموس وولى على المدينة أحد رجاله المدعو شاو، وأمره بأن ينظم المتطوعين ويدربهم لينضموا إلى الجيش جنودا متأهبين، وأحصى القواد للملك ما غنموا من العجلات والجياد، فإذا هو شيء عظيم.
واقترح الحاجب حور على الملك أن يتقدموا دون توان حتى لا يدعوا للعدو مهلة للتأهب وحشد الجيوش، وقال: سنخوض أول معركة حقيقية في أمبوس.
فقال كاموس: نعم يا حور، ولا يبعد أن يكون قد طرق أبواب أمبوس الآن عشرات الفارين، فلا مجال للمفاجأة بعد الآن، وسنلقى عدونا مستعدا، وربما استطاع أبوفيس أن يلقانا بقواته الغاشمة في هيراكونوليس .. فهيا إلى المسير!
وزحفت القوات المصرية - البرية والنيلية - صوب الشمال في طريق أمبوس، ودخلت في قرى كثيرة فلم تلق مقاومة ألبتة، ولم تعثر برجل واحد من الرعاة، وعلم الملك أن رجال العدو يحملون متاعهم ويسوقون حيوانهم فارين إلى أمبوس، وخرج الفلاحون يستقبلون جيش الخلاص ويحيون مليكهم المظفر ويدعون له من قلوب أنعشها الفرح والأمل، وجد الجيش في المسير حتى شارف أمبوس، وهناك جاءت طلائع الكشافة تقرر أن العدو معسكر جنوب المدينة متأهبا للقتال، وأن أسطولا متوسط العدد يرسو غرب أمبوس، فعلم كاموس أن أول معركة مهمة باتت على الأبواب، ورغب الملك في أن يعرف عدد جنود عدوه، ولكن تعذر ذلك على جنود الكشف لأن العدو كان يعسكر في سهل منبسط لا تسهل مراقبته، فقال قائد شاب يدعى محب: لا أظن يا مولاي أن قوة أمبوس تعدو بضعة آلاف.
Unknown page